قطر وإسرائيل في تدريب عسكري: دلالات وتحديات في سياق إقليمي متغير
في خطوة ملفتة، تشارك قطر في مناورات “إينيواخوس 2025″ الجوية التي تُستضيفها اليونان في قاعدة أندرافيدا الجوية، وهو ما أثار تساؤلات حول دلالات هذه المشاركة في تدريب عسكري تشارك فيه أيضًا إسرائيل. الموضوع قد يبدو طبيعيًا في ظاهر الأمر، لكن مشاركة قطر في هذه المناورات إلى جانب إسرائيل استوقف الكثيرين، خصوصًا في ظل الظروف السياسية الحساسة التي تمر بها المنطقة.
وتُعتبر هذه المناورات العسكرية، التي تأتي في إطار تدريب جوّي متعدد الجنسيات، حدثًا غير اعتيادي نظرًا لأن قطر، التي تلعب دور الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، لا تقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل. فهل هي مجرد مشاركة تقليدية أم أن لها أبعادًا جيوسياسية تتعلق بمستقبل العلاقات بين قطر وإسرائيل؟
ما هي مناورات “إينيواخوس”؟
مناورات “إينيواخوس” هي تدريبات جوية سنوية متعددة الجنسيات تهدف إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين الدول المشاركة، وتبادل الخبرات العسكرية، وتحسين الجاهزية القتالية. تشمل التدريبات عمليات جوية متنوعة تُنفذ في بيئة تدريبية محاكية للواقع، مثل العمليات الهجومية والدفاعية لمكافحة الطائرات، والاستطلاع، والبحث والإنقاذ القتالي، وكذلك المهام ذات الأهداف الحساسة.
إلى جانب اليونان، تشارك في المناورات هذا العام 11 دولة أخرى، من بينها الإمارات، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، إسبانيا، الهند، إيطاليا، إضافة إلى قبرص التي تساهم بكوادر دعم، وسلوفاكيا والبحرين كمراقبين.
وتشارك قطر في المناورات بطائرات F-15، بينما تشارك إسرائيل بطائرة G550، وتُشارك الإمارات بطائرات ميراج Μ-2000/9، والولايات المتحدة الأمريكية بطائرات F-16 وKC-46 وKC-130. هذه المناورات التي تمتد حتى 11 أبريل 2025 تتم تحت إشراف مدرسة الأسلحة الجوية التابعة للقوات الجوية اليونانية.

دلالات المشاركة القطرية في هذه التدريبات العسكرية
تكتسب المشاركة القطرية في مناورات عسكرية تشمل إسرائيل دلالات هامة في ظل الأوضاع السياسية الراهنة، خاصة أن قطر تؤدي دورًا محوريًا في عملية الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023. ورغم أن قطر لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، فإن حضورها في مناورات تشمل إسرائيل يثير العديد من التساؤلات حول أفق العلاقات المستقبلية بين البلدين.
قبل هذه المناورات، برزت عدة مؤشرات فُسرت على أنها قد تمهد الطريق للتطبيع القطري-الإسرائيلي، مثل ظهور رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني على قناة إسرائيلية في مقابلة تلفزيونية في يناير 2025، إضافة إلى استقبال قطر وفودًا إسرائيلية من جهازي الشاباك والموساد في إطار اللقاءات التي عقدت في الدوحة.
إلا أن المراقبين استبعدوا أن تكون هذه الأحداث مؤشرًا على تطبيع وشيك بين قطر وإسرائيل. ففي مقابلة مع بي بي سي عربي، قالت د. ليلى نقولا، أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، إنها لا تعتقد أن هذه المناورات ستؤدي إلى فتح باب التطبيع بين قطر وإسرائيل. وأضافت أن السعودية قد وضعت سقفًا للتطبيع في المنطقة يرتكز على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
التزام قطر بمواقفها: التوازن في السياسة الإقليمية
وفي السياق ذاته، أضافت نقولا أن قطر قد تكون لها علاقات “نوعًا ما” مع إسرائيل، مثل العلاقات التجارية والسياسية التي سهلت إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الحرب الأخيرة، لكنها لا تذهب إلى تطبيع كامل.
ورأت أن قطر تسعى إلى الحفاظ على مكانتها كشريك استراتيجي فاعل للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لاسيما في ظل الإدارة الأمريكية الحالية. وذكرت أن قطر تتعرض لضغوطات كبيرة، منها ضغوط إسرائيلية تطالب بوقف الوساطة القطرية، وهو ما دفعها أحيانًا إلى تعليق دورها كوسيط.
قطر وإسرائيل: دبلوماسية الوساطة والتواصل
من جانبه، اعتبر محمود علّوش، الباحث في العلاقات الدولية، أن مشاركة قطر في التدريبات العسكرية التي تشمل إسرائيل هي جزء من تطورات إقليمية، حيث تدفع الإدارة الأمريكية إلى تعميق علاقات إسرائيل مع دول المنطقة، خاصة في الخليج. لكنه أشار إلى أن هذا لا يعني تغييرًا جذريًا في سياسة قطر تجاه إسرائيل، إذ أن قطر ملتزمة برفض أي علاقة مع إسرائيل ما لم يتم حل القضية الفلسطينية بشكل عادل.
وقال علوش: “العلاقات القطرية الإسرائيلية هي استثنائية، حيث تعتبر قطر التواصل مع إسرائيل أداة لتحفيز الضغط الإيجابي في القضية الفلسطينية”، مشيرًا إلى أن قطر تحتفظ بمكتب حركة حماس على أراضيها كجزء من هذه الدبلوماسية الوسيطة.
رأي الباحث القطري د. علي الهيل
في نفس السياق، اعتبر د. علي الهيل، الباحث السياسي القطري، في مقابلة مع بي بي سي عربي أن قطر قد ترحب بالتطبيع مع إسرائيل في مستقبل مشروط بوجود دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن عودة اللاجئين الفلسطينيين تشكل جزءًا أساسيًا من أي تسوية سياسية مع إسرائيل. ولكنه أكد أن إسرائيل لا ترغب في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل تفضل إقامة دولة غير مستقلة ومنزوعة السلاح.
الخلاصة: يبقى التساؤل قائمًا حول ما إذا كانت مناورات “إينيواخوس 2025” هي مجرد تدريبات عسكرية روتينية، أم أنها مؤشر على تحول في العلاقات الجيوسياسية بين قطر وإسرائيل في سياق متغير للمنطقة.