بلدان على حافة الخطر: أكثر الدول تضررًا من تغيّر المناخ

0 1

تحوّل تغيّر المناخ خلال العقود الأخيرة من مجرد تهديد بيئي مستقبلي إلى واقع كارثي تتجلّى آثاره أمام أعيننا في صور متباينة من الجفاف، الفيضانات، الأعاصير، وحرائق الغابات. لقد أصبحت الظواهر المناخية المتطرفة أكثر تواترًا وحدةً من أي وقت مضى، مؤثرةً في الاقتصادات والبنى التحتية ومهددةً حياة الملايين.

ورغم أن هذا التحدي عالمي التأثير، إلا أن هناك دولًا بعينها تقع في قلب العاصفة المناخية، وتُعد من أكثر المناطق هشاشةً وتعرضًا لتهديد الاندثار بسبب ضعف بنيتها الاقتصادية واعتمادها المفرط على الموارد الطبيعية.

فيما يلي نستعرض تسع دول تُعد من بين الأكثر تضررًا من تغيّر المناخ، مع تسليط الضوء على ما تواجهه من أزمات بيئية واقتصادية واجتماعية.


1. جنوب السودان: بلد الفيضانات والنزاعات

جنوب السودان، أحدث دول العالم استقلالًا، يعاني من أزمات متداخلة تجمع بين التغيّر المناخي والنزاعات المسلحة. وقد تسببت الفيضانات الموسمية المتكررة والجفاف الحاد في نزوح أكثر من مليوني شخص، إضافة إلى تراجع نسبة السكان الذين يحصلون على مياه نظيفة إلى نحو 55%.

كما شهدت البلاد انخفاضًا في معدلات هطول الأمطار بنسبة 10-20% منذ سبعينيات القرن الماضي، ما أضعف قطاعي الزراعة وتربية المواشي، وهما عماد الاقتصاد المحلي.


2. مدغشقر: الجفاف يهدد الأمن الغذائي

مدغشقر، الجزيرة الواقعة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا، تعاني من تغيّرات مناخية متطرفة، تشمل أعاصير مدمرة، وفيضانات متكررة، وموجات جفاف غير مسبوقة منذ أربعة عقود.

وتعتمد نسبة كبيرة من السكان على الزراعة التقليدية، ما يجعل الجفاف الحالي الذي يؤثر على أكثر من 1.5 مليون شخص كارثة إنسانية مستفحلة. ويُفاقم الأمر ضعف البنية التحتية وارتفاع أسعار المياه وندرة الغذاء، ما يجعل مواجهة هذه التحديات أمرًا عسيرًا.


3. أفغانستان: بلد بلا انبعاثات يعاني من الكوارث

رغم أن مساهمة أفغانستان في الانبعاثات الكربونية تكاد لا تُذكر، إلا أنها من أكثر الدول تضررًا من التغيّر المناخي بسبب موقعها الجغرافي والنزاعات المتواصلة.

يعتمد نحو 80% من السكان على الزراعة، ويجعلهم ذلك في مواجهة مباشرة مع الجفاف والعواصف والانهيارات الأرضية التي تتزايد بشكل ملحوظ، ما يهدد الأمن الغذائي ويؤجج الأزمات الاجتماعية.


4. هايتي: أعاصير مدمرة وتربة متآكلة

تقع هايتي في قلب منطقة الكاريبي، حيث تضربها أعاصير قوية وموجات جفاف متكررة. وتواجه البلاد أزمة بيئية مزدوجة؛ إذ أدى قطع الأشجار إلى تآكل التربة، ما جعل الانهيارات الأرضية أمرًا شائعًا، وزاد من تعقيد الوضع المائي والصحي.

كما يعاني السكان من ندرة المياه النظيفة، ما يُفاقم التحديات البيئية والصحية في بلدٍ يعاني أصلًا من ضعف البنية التحتية وارتفاع معدلات الفقر.


5. الفلبين: عاصفة وراء عاصفة

تُعد الفلبين من أكثر دول العالم تعرّضًا للأعاصير المدارية، حيث يضربها سنويًا ما يقرب من 20 إعصارًا. وشهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة خمسًا من أشد الأعاصير فتكًا في تاريخها، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.

إضافةً إلى ذلك، تواجه البلاد ارتفاعًا تدريجيًا في مستوى سطح البحر، ما يهدد سواحلها ومناطقها المنخفضة بالغرق على المدى البعيد.


6. جمهورية الكونغو الديمقراطية: أرض غنية تتآكل

رغم وفرة الموارد الطبيعية في الكونغو الديمقراطية، إلا أن تغيّر المناخ يُهدد مستقبلها البيئي والاقتصادي. يتوقع الخبراء أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 1 إلى 2.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، مع زيادة في الأمطار الغزيرة والجفاف المطوّل.

أما في المناطق الساحلية، فيُتوقع ارتفاع منسوب البحر بما يصل إلى 70 سم بحلول عام 2080، ما سيؤدي إلى تآكل السواحل وتهديد مصادر المياه.


7. باكستان: حرائق وتقلّبات قاتلة

وفقًا لمؤشر مخاطر المناخ العالمي، فإن باكستان تحتل المرتبة الثامنة بين الدول الأكثر تضررًا من التغير المناخي. على مدى العقدين الماضيين، عانت البلاد من آلاف الوفيات المرتبطة بالفيضانات والحر الشديد، إضافة إلى خسائر مادية فاقت 4 مليارات دولار.

وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى احتراق المحاصيل وتلفها، ما أسفر عن أزمات غذائية تهدد الاستقرار.


8. إثيوبيا: جفاف وفقر واحتياج

تواجه إثيوبيا موجات مناخية متطرفة تتراوح بين الجفاف الحاد والفيضانات المدمرة، إضافة إلى الزلازل والنشاط البركاني. وتُعتبر الزراعة المصدر الرئيس للدخل، ما يجعل البلاد عرضة لهزات اقتصادية عنيفة.

وقد خلف الجفاف الكبير عام 2011 أكثر من 10 ملايين شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية طارئة، نتيجة لنفوق المواشي ونقص المحاصيل.


9. الصومال: الزراعة في مهبّ التغيرات

يعتمد أكثر من 70% من سكان الصومال على الزراعة وتربية الماشية، ما يجعل التغير المناخي تهديدًا وجوديًا لهم. تتكرر الفيضانات والجفاف بشكل دوري، كما أن إنتاج الفحم النباتي بشكل مفرط أسهم في تدهور البيئة وتراجع خصوبة الأراضي الزراعية.

وقد أدت الأزمات المناخية إلى موجات نزوح داخلية وهجرة، ما ضاعف من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.


ختامًا: دعوة إلى التحرك العاجل

إن ما تواجهه هذه الدول ليس مجرد أزمة مناخية، بل كارثة وجودية تتطلب تضافر الجهود الدولية لتوفير التمويل، والدعم الفني، وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيّف والصمود.

إن التحرك الآن – وليس غدًا – هو السبيل الوحيد لتفادي خسائر بشرية وبيئية لا يمكن تعويضها، ولحماية مستقبل الأرض وسكانها من خطر لا يعترف بالحدود.

تعليقات
Loading...