خطط غريبة تبناها أثرياء العالم وسعوا إلى تنفيذها
رغم ما يُفترض أن يتمتع به أصحاب الثروات من حكمة وبعد نظر، فإن التاريخ يكشف عن محاولات غير منطقية بل وغريبة قام بها عدد من كبار الأثرياء حول العالم، محاولين فرض رؤاهم على الواقع حتى وإن خالفت المنطق أو تجاوزت حدود المعقول. نستعرض في هذا التقرير أبرز هذه الخطط “العبثية” التي لم تخلُ من السخرية والجدل، بل شكل بعضها تهديدًا حقيقيًا للقيم الإنسانية أو للبيئة أو حتى للمنطق البسيط.
1. مهجع “مونجر” الطلابي – حبس أكاديمي بنكهة معمارية
في عام 2016، قرر الملياردير الأمريكي تشارلز مونجر تمويل مشروع بناء سكن طلابي بجامعة كاليفورنيا – سانتا باربرا، بمبلغ قدره 200 مليون دولار أمريكي. لكن المشروع، الذي أطلق عليه البعض اسم “درومزيلا”، أثار موجة انتقادات واسعة بسبب تصميمه الغريب، إذ يحوي 11 طابقًا ويستوعب أكثر من 4500 طالب، ولكن مع غياب شبه تام للنوافذ، واستبدال ضوء الشمس بشاشات ضوئية اصطناعية!
وصفه مهندسون معماريون بأنه “سجن متنكّر بهيئة مهجع”، ورغم اعتراف مونجر بأن الغرف غير مريحة عمدًا لتحفيز الطلاب على الخروج والدراسة في المساحات المشتركة، فإن الرأي العام وصف الفكرة بـ”السادية المعمارية”.
ما يزيد الطين بلة أن مونجر لم يطّلع على أي مرجع في الهندسة المعمارية، ومع ذلك أصرّ على تطبيق رؤيته، في تحدٍ واضح للمنطق والمهنية.
2. الاستيطان في البحر – حُلم مستحيل
في محاولة للهرب من الضرائب والأنظمة الحكومية، ضخّ الملياردير الأمريكي بيتر ثيل أكثر من 1.7 مليون دولار في مشروع “الاستيطان البحري” عبر مؤسسة “سي ستيدينغ”، متخيلًا مدنًا عائمة حرة بعيدة عن سلطة الدول. لكن بعد عقد من الزمن، اعترف بنفسه في مقابلة صحفية قائلاً: “لا نملك التكنولوجيا ولا الموارد لتحقيق هذا الحلم”. وبذلك تحوّل المشروع إلى مجرد حكاية من قصص اليوتوبيا البحرية.
3. xAI – محاولة لفهم الكون بالحوسبة

في عام 2023، أسس الملياردير إيلون ماسك شركة xAI، وصرّح أن هدفها هو “فهم الطبيعة الحقيقية للكون”. الفكرة في ظاهرها فلسفية عميقة، لكنها عمليًا ترتكز على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تحاكي “الواقع بالكامل”، وهو طموح يراه العديد من الخبراء أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى مشروع علمي واقعي.
حتى اليوم، لم تظهر نتائج ملموسة من المشروع سوى تصريحات عامة وشعارات ضخمة، ما يجعله أحد أكثر مشروعات ماسك غموضًا وجدلاً.
4. سرقة باتاغونيا – الرأسمالية بطابع استعماري
قام الملياردير البريطاني جو لويس بشراء أراضٍ شاسعة في منطقة باتاغونيا الأرجنتينية في التسعينيات، متضمنة بحيرة “إسكونديدو” العامة، مخالفًا بذلك القوانين الوطنية التي تحظر امتلاك الأجانب للمسطحات المائية. استخدم شركات وهمية للتحايل القانوني، وعيّن مسلحين لحماية ممتلكاته ومنع المواطنين من الوصول للبحيرة.
ليست مجرد صفقة عقارية، بل نموذج صارخ لتغوّل رأس المال وتجاوزه حدود السيادة الوطنية والحقوق العامة.
5. تيتانيك 2 – إحياء الغرق بأسلوب فاخر
الملياردير الأسترالي كليف بالمر خطط لإعادة بناء سفينة “تيتانيك” بحجمها الأصلي، ومواصفاتها الدقيقة، تحت اسم “تيتانيك الثانية”. ورغم محاولاته للترويج للمشروع كتجربة سياحية فاخرة، إلا أن التصميم يتنافى مع معايير السلامة البحرية الحديثة، كما أنه يعتمد على الفحم كمصدر للطاقة!
ما بدا وكأنه تكريم لتاريخ الملاحة، انقلب إلى فكرة ساذجة وغير قابلة للتنفيذ، وتوقف المشروع أكثر من مرة.
6. آسجارديا – دولة فضائية بلا أرض
في عام 2022، أعلن الملياردير الأذربيجاني إيغور أشوربيلي عن إعادة انتخابه رئيسًا لدولة خيالية اسمها “آسجارديا”، تدّعي أنها أول دولة فضائية في العالم. تضم أكثر من مليون “مواطن” حول العالم، رغم أن وجودها الفعلي لا يتعدى قمرًا صناعيًا صغيرًا في مدار منخفض.
الطموح المعلن هو بناء حضارة في الفضاء، تُمنح فيها الجنسية الفضائية لـ2٪ من سكان الأرض، لكن حتى اليوم لا توجد دولة، ولا أرض، ولا حكومة، ولا حتى اقتصاد حقيقي.
7. ميتافيرس – واقع بديل أم فخ رقمي؟
أطلق مارك زوكربيرج مشروع “ميتافيرس” كتحوّل استراتيجي نحو المستقبل الرقمي، حيث يعيش البشر كصور رمزية في عوالم افتراضية. رغم الاستثمار الضخم، بقي المشروع غامضًا وغير مكتمل، خاصة في ظل افتقار التكنولوجيا الحالية للبنية اللازمة لتحقيق هذه الرؤية.
حتى اللحظة، لم يُقدم ميتافيرس أي قيمة حقيقية، وأصبح يُنظر إليه كأداة لجمع بيانات المستخدمين وليس كمساحة تفاعلية حقيقية.
8. كاليكو لابز – إكسير الحياة من تمويل جوجل
في عام 2013، أسس لاري بيج شركة “كاليكو لابز”، سعيًا لفهم أسباب الشيخوخة والعمل على إطالة عمر الإنسان. لكن المشروع يثير جدلاً أخلاقيًا عميقًا، إذ يرى فيه البعض محاولة لكسر قوانين الطبيعة، فيما يتساءل آخرون: هل العالم بحاجة لمزيد من المعمّرين في ظل الموارد الشحيحة؟
حتى اليوم، لم يتحقق أي تقدم يُذكر على صعيد إطالة عمر الإنسان، بل تبقى الفكرة أقرب إلى الأسطورة منها إلى الطب الحديث.
9. مبادرة 2045 – الخلود الرقمي
الملياردير الروسي ديمتري إتسكوف طرح مشروعًا طموحًا باسم “مبادرة 2045″، يهدف إلى نقل وعي الإنسان إلى أجساد صناعية عبر تخزينه في الواقع الافتراضي أو على شبكة سحابية. الحلم: خلود رقمي بلا حدود.
ورغم الزخم الإعلامي الذي حظيت به الفكرة، فإن التحديات الأخلاقية والتقنية والعلمية تجعلها واحدة من أكثر المشاريع جدلًا، وتجعل من حلم “الخلود” سؤالًا فلسفيًا أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ.
الخلاصة: حين لا تكفي الثروة لصنع الحكمة
هذه الخطط والمشروعات، رغم ما توفّر لها من تمويل ودعاية، أثبتت أن امتلاك المال لا يعني امتلاك الحكمة. بل على العكس، قد تدفع الثروات الكبيرة أصحابها إلى الانفصال عن الواقع والسعي لتحقيق أوهام يصعب تصديقها، أو تجاهل احتياجات الإنسانية لصالح أحلام فردية عبثية.
ومع اتساع فجوة الثروة بين الأغنياء وبقية البشر، يبدو أن بعض الأثرياء يعيشون في كواكبهم الخاصة، حيث لا تُقاس الأفكار بالمنطق، بل بقدرة الجيوب على دعم المستحيل.