تطبيق سيجنال في قلب فضيحة استخباراتية أمريكية تهز الأوساط الأمنية
أثار تطبيق “سيجنال” للرسائل المشفّرة جدلاً واسعاً في الأوساط الأمنية والسياسية الأمريكية، بعدما كُشف عن استخدامه في محادثة جماعية سرية جمعت كبار المسؤولين في البيت الأبيض، حيث أُضيف الصحفي جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة “أتلانتيك”، عن طريق الخطأ إلى مجموعة ناقشت خططاً عسكرية حساسة بشأن ضربات محتملة ضد جماعة الحوثي في اليمن.
وقد وصف السيناتور تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، ما حدث بأنه “من أخطر التسريبات الاستخباراتية العسكرية في التاريخ الأمريكي”، مطالباً بتحقيق عاجل وشامل لتحديد مكامن الخلل.
ما هو تطبيق سيجنال؟ وهل هو آمن بالفعل؟
يُعد تطبيق “سيجنال” من أبرز تطبيقات الرسائل الآمنة، ويُقدَّر عدد مستخدميه شهرياً ما بين 40 إلى 70 مليون مستخدم، وهو رقم متواضع مقارنةً بمليارات المستخدمين على “واتساب” و”فيسبوك مسنجر”. لكن ما يميز “سيجنال” هو اعتماده الكامل على خاصية التشفير الطرفي الشامل (End-to-End Encryption)، مما يضمن أن المرسل والمستقبل فقط يمكنهما الاطلاع على مضمون الرسائل، حتى إدارة التطبيق نفسها لا تستطيع فك تشفيرها.
ويستند التطبيق إلى بروتوكول مفتوح المصدر، مما يعزز من شفافيته وقدرته على مقاومة الثغرات الأمنية. كما أنه لا يحتفظ ببيانات المستخدمين مثل قوائم الأسماء أو الصور الشخصية أو سجلات المحادثات، ما يجعله خياراً مفضلاً للصحفيين والناشطين والمدافعين عن الخصوصية الرقمية.

التحديات الأمنية رغم التشفير
على الرغم من قوة التشفير، إلا أن الأمن الإلكتروني لا يرتكز فقط على مستوى الأمان التقني، بل يعتمد أيضاً على سلوك المستخدم. فإذا كان الهاتف غير مؤمّن جيداً، أو تُرك التطبيق مفتوحاً في مكان عام، فإن الرسائل قد تقع في الأيدي الخطأ. وتقول خبيرة الأمن السيبراني كارو روبسون، التي عملت سابقاً مع الإدارة الأمريكية، إن استخدام تطبيقات تجارية مثل “سيجنال” في مناقشة قضايا أمن قومي يُعد تصرفاً “غريباً للغاية”، مؤكدة أن هناك أنظمة حكومية مُغلقة ومعتمدة خصيصاً لهذا النوع من الاتصالات.
“سيجنال” مقابل الأنظمة الحكومية: فجوة في البروتوكولات
تستخدم الحكومة الأمريكية تقليدياً نظاماً معلوماتياً يُعرف بـ”SCIF” (منطقة معلوماتية حساسة ومؤمَّنة)، وهي غرف محمية بعناية، يُمنع فيها استخدام أي أجهزة شخصية. ويُعتبر هذا النظام معياراً أساسياً في تأمين المحادثات المتعلقة بالأمن القومي، بعكس تطبيقات المستهلكين التي تبقى عرضة للمخاطر في حال سوء الاستخدام.
مشكلة اختفاء الرسائل… والتهديد للسجلات الرسمية
واحدة من أكثر القضايا إثارة للقلق فيما يتعلق باستخدام “سيجنال” هي خاصية حذف الرسائل التلقائي. إذ يمكن ضبط المحادثات لتختفي بعد فترة زمنية، مما يخلق فجوة قانونية فيما يتعلق بحفظ السجلات الرسمية، وهو ما أكده غولدبرغ نفسه بقوله إن “بعض الرسائل اختفت بعد أسبوع من إضافته للمجموعة”، ما يُثير التساؤلات حول كيفية توثيق الاتصالات الرسمية.
الخصوصية في مواجهة الحكومات
سبق أن دخلت شركة “سيجنال” في مواجهة مباشرة مع الحكومة البريطانية، عندما هددت بوقف خدماتها عام 2023 إذا تم فرض تشريعات تُلزمها بكشف بيانات المستخدمين. الموقف ذاته تبنّته شركة “أبل” التي اضطرت لاحقاً إلى تعطيل خاصية التشفير الشامل لملفات iCloud في بريطانيا، بعد ضغوط قانونية مشابهة.
خاتمة: التشفير لا يحمي من الإهمال
بينما يستمر الجدل حول حدود الأمن الرقمي، يبقى الواقع أن أقوى تقنيات التشفير لا يمكنها حماية البيانات إذا أسيء استخدامها من قبل الأفراد. وكما قال أحد الخبراء بلهجة صريحة: “التشفير لا يمكنه حمايتك من الغباء البشري.”