بوتين يصادق على معاهدة الشراكة الاستراتيجية مع إيران رسمياً
تعزيز التحالف الروسي الإيراني في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية
في خطوة استراتيجية ذات دلالات عميقة على مستوى السياسة الدولية، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانوناً رسمياً للمصادقة على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران، وذلك وفق ما أوردته وكالة الإعلام الروسية الرسمية، يوم الإثنين.
وتُعد هذه الخطوة تتويجاً لاتفاقية التعاون طويل الأمد التي وُقعت بين موسكو وطهران في يناير الماضي، وتمتد لفترة 20 عاماً، وتفتح آفاقاً واسعة لتعاون متعدد الأوجه بين البلدين.
بنود المعاهدة وأهدافها
تتضمن معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران العديد من البنود التي تهدف إلى توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بين الطرفين. ومن أبرز ما تنص عليه الاتفاقية:
- تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والنفط والغاز الطبيعي.
- دعم مشاريع البنية التحتية المشتركة، لا سيما في مجالات النقل والسكك الحديدية.
- تعزيز التعاون العسكري والأمني، بما في ذلك التبادل الاستخباراتي والتدريب العسكري المشترك.
- العمل على توحيد المواقف في القضايا الإقليمية والدولية، خاصة في مواجهة النفوذ الغربي.
هذه الاتفاقية تأتي في ظل العقوبات الغربية المفروضة على كلا البلدين، مما جعل من التعاون بين موسكو وطهران ضرورة استراتيجية تعزز استقلالية القرار السياسي والاقتصادي لكليهما.
الخلفية السياسية: من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية
دوافع موسكو وطهران لتقوية التحالف
شهدت العلاقات بين روسيا وإيران تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد عزلة موسكو عن الغرب. في المقابل، تبحث طهران عن دعم دولي يخفف من وطأة العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.

وقد وجدت الدولتان في بعضهما حليفاً موثوقاً في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية، خاصة مع التقاء المصالح في قضايا مثل:
- الأزمة السورية ودعم نظام بشار الأسد.
- تقويض النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
- التعاون في المنتديات الدولية مثل منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس.
التأثيرات المحتملة على التوازنات الإقليمية والدولية
شرق أوسط جديد على وقع التحالفات الصاعدة
من شأن هذه المعاهدة أن تُحدث تحولاً ملموساً في موازين القوى الإقليمية، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن تُعزز طهران نفوذها بدعم من موسكو، في وقت تعيد فيه دول المنطقة حساباتها في ضوء التقارب الروسي الإيراني.
كما أن المعاهدة قد تثير قلق بعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يعتبرون تنامي التعاون بين بلدين خاضعين لعقوبات شاملة تهديداً مباشراً للنظام الدولي الذي تسعى واشنطن إلى ترسيخه.
التعاون العسكري والتقني: محور رئيسي في الاتفاق
الطائرات المسيّرة وتكنولوجيا الدفاع الجوي
أشارت تقارير غربية عدة إلى أن التعاون العسكري بين إيران وروسيا قد بلغ مستويات غير مسبوقة، حيث زوّدت إيران روسيا بطائرات مسيّرة استُخدمت في الحرب في أوكرانيا، في حين تسعى إيران للحصول على أنظمة دفاع جوي روسية متطورة، مثل “إس-400″، لتعزيز قدرتها الدفاعية.
ولا يُستبعد أن تتضمن المعاهدة بنوداً سرية تتعلق بتبادل التكنولوجيا الحساسة، وهو ما قد يُشكّل مصدر قلق كبير للدول الغربية وإسرائيل على وجه الخصوص.
ردود الفعل الدولية: ترقب وحذر
الغرب يراقب… والصين توازن التحالفات
لم تصدر حتى الآن ردود فعل رسمية شديدة اللهجة من الدول الغربية، إلا أن مراكز الأبحاث والتحليلات الاستراتيجية بدأت بإطلاق تحذيرات بشأن تنامي “محور الشرق” المكون من روسيا، إيران، والصين. ويُنظر إلى هذه المعاهدة على أنها جزء من شبكة تحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم بعيداً عن الهيمنة الغربية.
أما الصين، فرغم علاقتها القوية مع الطرفين، إلا أنها تحافظ على مسافة متوازنة، وتسعى لتعزيز الاستقرار في المنطقة بما يخدم مصالحها الاقتصادية ومبادرة “الحزام والطريق”.
الأبعاد الاقتصادية للاتفاق: كسر الحصار بالعلاقات الثنائية
من النفط إلى التجارة الرقمية
في المجال الاقتصادي، تسعى إيران إلى الاستفادة من السوق الروسية لتعويض خسائرها نتيجة العقوبات الغربية، فيما ترى موسكو في طهران بوابة استراتيجية نحو الأسواق الآسيوية والشرق أوسطية.
وقد تتضمن الاتفاقية إجراءات لتسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية أو العملات الرقمية، تجنباً للدولار والنظام المالي الغربي، في توجه متسق مع محاولات بناء نظام اقتصادي عالمي بديل.
خاتمة: تحالف استراتيجي في زمن التحولات الكبرى
تمثل مصادقة الرئيس بوتين على معاهدة الشراكة مع إيران إعلاناً صريحاً عن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، تتجاوز حدود التحالفات التقليدية نحو بناء محور استراتيجي يواجه الضغوط الغربية بشكل موحد. وبينما تعيش المنظومة العالمية مرحلة اضطرابات عميقة، يُمكن لمثل هذه الاتفاقيات أن تُعيد تشكيل ملامح النظام الدولي في العقود القادمة.