وول ستريت تستعد لـ”اثنين أسود” في ظل تمسّك إدارة ترامب بالرسوم الجمركية وسط تراجعات حادة عالمياً

0 2

تشهد أسواق المال العالمية، وفي مقدمتها بورصة وول ستريت، حالة غير مسبوقة من الترقب والحذر، مع استعداد المستثمرين لما بات يُعرف إعلاميًا بـ”الاثنين الأسود”، وذلك في ظل إصرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المضي قدمًا في تنفيذ سياسة الرسوم الجمركية المرتفعة على الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، رغم الخسائر الفادحة التي تكبّدتها الأسواق خلال الأيام القليلة الماضية.

وفي حين كانت التوقعات تميل نحو بوادر تهدئة من جانب البيت الأبيض، أكدت تصريحات ترامب العكس تمامًا، مشدداً على أن الرسوم الجمركية ضرورة “لعلاج الاختلال التجاري” مع الصين وغيرها. وقد تسبب هذا التشدد في ارتفاع منسوب القلق داخل الأوساط الاستثمارية، الأمر الذي دفع العقود الآجلة للمؤشرات الأميركية الرئيسية إلى هبوط جماعي حاد، منذ اللحظات الأولى لجلسة تداول الإثنين.

تراجعات تاريخية تهز الأسواق

سجلت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز الصناعي انخفاضًا بمقدار 1,558 نقطة، ما يعادل 4.03%، فيما تراجعت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 4.53%، وانخفض مؤشر ناسداك 100 بنسبة 4.86%، حيث تسارع المستثمرون نحو بيع أسهم التكنولوجيا لجني السيولة، وسط موجة ذعر تسود الأسواق.

وتأتي هذه التراجعات الحادة عقب انخفاضات متتالية سجلها السوق بنهاية الأسبوع الماضي، حيث خسر مؤشر داو جونز أكثر من 1500 نقطة في جلستين، بما في ذلك 2,231 نقطة يوم الجمعة فقط. أما مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فقد فقد 6% من قيمته خلال يوم واحد، في أسوأ أداء منذ مارس 2020، حين اجتاح وباء كورونا العالم.

مواقف متباينة داخل الإدارة الأميركية

رغم هذا التدهور، أكد الرئيس ترامب مساء الأحد أن ما يحدث في الأسواق هو “علاج لا بد منه” لمعالجة الخلل في الميزان التجاري مع الصين، مبررًا نهجه بأنه يهدف إلى استعادة التوازن التجاري الذي يُقدّر بعجز يفوق تريليون دولار. في المقابل، أشار وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، إلى أن لا نية لدى الإدارة لتأجيل أو تخفيف حزمة الرسوم، واصفًا إياها بأنها “أمر لا رجعة فيه”.

إقرأ أيضا: الأسواق تهتز بسبب الرسوم الجمركية وول ستريت في مهب عاصفة ترامب التجارية

من جانبه، أوضح المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، أن التراجعات الحالية في السوق ليست جزءًا من أي ضغط مقصود على البنك الاحتياطي الفيدرالي، نافيًا وجود نية للتدخل في سياسات الفائدة أو اتخاذ خطوات تهدف للتأثير على قرارات البنك المركزي.

ردود فعل الأسواق العالمية

امتدت تداعيات القرار الأميركي إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية التي شهدت بدورها موجات بيع مكثفة. ووفقًا لخبير الأسواق المالية، محمد سعيد، فإن الأسواق لم تعد تتحرك بناءً على التوقعات فقط، بل باتت تتفاعل مباشرة مع كل تصريح صادر عن الإدارة الأميركية. وأضاف أن تمسك ترامب بمواقفه يزيد من الضغوط، رغم وجود بعض الإشارات المحدودة إلى إمكانية التفاوض، مما يفتح المجال لاحتمالات ارتداد مؤقتة، لكنها غير مؤكدة.

تحذيرات من اضطراب التجارة العالمية

يرى مراقبون أن هذه السياسات قد تؤدي إلى أزمة تجارية عالمية حقيقية، خصوصًا بعد أن ردت الصين بفرض رسوم انتقامية بنسبة 34%، فيما أبدت دول أوروبية استعدادها لاتخاذ خطوات مماثلة. وقد حذّر رئيس الوزراء البريطاني من أن هذه الإجراءات “قد تغيّر شكل التجارة العالمية لعقود قادمة”.

توقعات غير مؤكدة وتحذيرات من النزيف المستمر

من جهته، يرى طارق الرفاعي، المدير التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، أن الأسواق دخلت مرحلة “غموض استثماري”، حيث بات من الصعب التنبؤ باتجاهات المؤشرات. وأكد أن الرسوم الجمركية الشاملة تسببت في خسائر تقدر بأكثر من 5.4 تريليونات دولار خلال جلستي تداول فقط، داعيًا المستثمرين إلى التركيز على إدارة المخاطر وتبني استراتيجيات استثمار طويلة الأجل.

خلاصة المشهد

في ظل تصعيد غير مسبوق في السياسات التجارية الأميركية، وعجز واضح في التوصل إلى تفاهمات دولية، يبدو أن الأسواق العالمية تتجه نحو مزيد من الاضطراب. ويتفق الخبراء على أن استمرار هذه السياسات قد يُفضي إلى كساد عالمي أو يعيد تشكيل الاقتصاد الدولي بشكل جذري، في حال عدم التدخل السريع من قبل صانعي السياسات الاقتصادية الكبرى.

تعليقات
Loading...