أوكرانيا تصادق على اتفاقية استراتيجية مع الولايات المتحدة لتعزيز الاستثمار في المعادن النادرة
تعاون اقتصادي طويل الأمد في مواجهة الحرب وتحديات الإعمار
في خطوة بالغة الأهمية على الساحة الجيوسياسية والاقتصادية، صادق البرلمان الأوكراني يوم الخميس على اتفاقية تاريخية مع الولايات المتحدة تهدف إلى إنشاء صندوق مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا. وتتيح هذه الاتفاقية لواشنطن الوصول إلى الموارد الطبيعية الأوكرانية، بما في ذلك المعادن النادرة، التي تُعد أساسية في الصناعات العسكرية والتكنولوجية، ضمن مسعى أوسع لتعزيز الدعم الأميركي لكييف على المدى البعيد.
تصويت كاسح في البرلمان يعكس توافقاً سياسياً واسعاً
وفقًا لوكالة أنباء “إنترفاكس-أوكرانيا”، فقد نالت الاتفاقية تأييد 338 نائبًا من أصل 450، متجاوزة بسهولة العتبة المطلوبة البالغة 226 صوتًا، وهو ما يعكس توافقًا سياسيًا عريضًا حول أهمية الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، خاصة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب مع روسيا في عام 2022.
ملامح الاتفاقية: صندوق للإعمار واستثمار أميركي في باطن الأرض
الولايات المتحدة تعزز حضورها الاقتصادي في أوكرانيا
تشير بنود الاتفاقية إلى تأسيس صندوق إعادة إعمار مشترك، يُمكّن الولايات المتحدة من لعب دور محوري في عملية إعادة بناء البنية التحتية والصناعات المتضررة، خاصة في القطاعات الحيوية كالتكنولوجيا والطاقة والمعادن النادرة.
تصريحات رسمية تؤكد السيادة الأوكرانية على الموارد
في تصريح رسمي لإذاعة “ساسبيلين” العامة، أوضحت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو أن الاتفاقية لا تمسّ سيادة أوكرانيا على مواردها الطبيعية، قائلة: “الولايات المتحدة مستعدة للاستثمار في اقتصادنا وباطن أرضنا، ولكننا نحتفظ بكامل السيادة والملكية على معادننا الاستراتيجية”.
زيلينسكي يصف الاتفاق بـ”التاريخي”
وفي منشور عبر منصة “إكس”، عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن ترحيبه بالاتفاقية، واصفًا إياها بأنها “وثيقة تاريخية بحق تفتح أبوابًا جديدة للتعاون المشترك”. كما أشار إلى مكالمة هاتفية جمعته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، تناولت تفاصيل الاتفاق وآفاق العلاقات المستقبلية بين البلدين.
تفاصيل فنية قيد الإعداد واتفاقيات مكملة مرتقبة
اتفاقيتان إضافيتان لتحديد آليات التنفيذ
أفادت مصادر حكومية بأن الجانبين الأميركي والأوكراني بصدد إنهاء إعداد اتفاقيتين فنيتين خلال الأسبوع المقبل، لتحديد الإطار التنفيذي وآليات التمويل والمشاريع التي سيشملها الصندوق المشترك.
لا ديون جديدة على أوكرانيا مقابل الدعم
اللافت أن الاتفاق لا يتضمن أي التزامات ديونية تتعلق بالدعم العسكري الأميركي السابق، وهو ما يعزز الطابع الاستثماري والشراكي للعلاقة الجديدة.
خلفية استراتيجية: المعادن النادرة في قلب الصراع الجيوسياسي
المعادن النادرة.. ثروة استراتيجية تتجاوز الاقتصاد
المعادن النادرة، مثل النيوديميوم والديسبروسيوم واللانثانوم، تُعد من الركائز الأساسية في تصنيع المعدات العسكرية المتقدمة، والرقائق الإلكترونية، والسيارات الكهربائية، والطائرات، والأنظمة الدفاعية الحديثة. وتسعى دول كبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى تأمين إمدادات ثابتة من هذه الموارد، ما يضفي بعدًا جيوسياسيًا على الاتفاقية الجديدة مع أوكرانيا، الدولة التي تتمتع باحتياطات ضخمة وغير مستغلة حتى اليوم من هذه المعادن.
توجه أميركي لتحرير سلسلة التوريد من النفوذ الصيني
تمثل هذه الاتفاقية أيضًا جزءًا من خطة أميركية أوسع لفك الارتباط بسلاسل التوريد التي تهيمن عليها الصين، والتي تحتكر ما يزيد عن 60% من إنتاج وتكرير المعادن النادرة في العالم. ومن خلال الاستثمار في أوكرانيا، تأمل واشنطن في تأمين مصادر بديلة ومستقرة، تتيح لها تقليل اعتمادها على خصومها الاستراتيجيين.
تغير في السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا منذ وصول ترامب
التحول من الدعم العسكري المباشر إلى الشراكة الاستثمارية
منذ أن تولى دونالد ترامب منصب الرئاسة في يناير الماضي، شهدت السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا تحولًا ملموسًا. وبينما كانت إدارة بايدن تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري المباشر والمساعدات الطارئة، يتبنى ترامب نهجًا قائمًا على الاستثمار طويل الأمد والشراكة الاقتصادية، وهو ما يبدو جليًا في هذه الاتفاقية.
واشنطن تسعى إلى شراكة “مربحة للطرفين”
تهدف واشنطن إلى الحفاظ على نفوذها في أوروبا الشرقية عبر أدوات اقتصادية بديلة، تضمن مصالحها الاستراتيجية دون الانخراط في التزامات عسكرية ثقيلة، خاصة في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها.
ختامًا: اتفاقية تفتح الباب لمرحلة جديدة في العلاقة الأميركية الأوكرانية
تمثل المصادقة على اتفاقية “المعادن النادرة” بين أوكرانيا والولايات المتحدة خطوة متقدمة نحو تعزيز التعاون الثنائي، ليس فقط في سياق الحرب المستمرة مع روسيا، بل في إطار إعادة بناء الدولة الأوكرانية وتعزيز قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية.
وبينما تؤكد أوكرانيا تمسكها بسيادتها على مواردها، فإن انفتاحها على الشراكة مع الولايات المتحدة يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة يمكن أن تغيّر مستقبلها الاقتصادي، وتجعل منها لاعبًا محوريًا في سوق المعادن الاستراتيجية العالمية.