تشهد مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر في شرق السودان تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات الجوية، حيث تعرضت، يوم الجمعة، لليوم السادس على التوالي، لقصف بواسطة طائرات مسيّرة، ضمن سلسلة ضربات تُعد الأخطر منذ اندلاع النزاع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
مضادات أرضية تتصدى للهجمات المتكررة
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن مصدر عسكري سوداني قوله إن الدفاعات الجوية تعاملت مع “عدد من الطائرات المسيّرة التي حاولت استهداف منشآت ومواقع داخل المدينة”. وتوزعت الهجمات على مناطق متعددة من بورتسودان، شملت الأحياء الشمالية والغربية والجنوبية، مما زاد من حالة الهلع في أوساط السكان المدنيين الذين يعيشون تحت التهديد المستمر.
شهادات من قلب المدينة: المدنيون في دائرة الخطر
أفاد شهود عيان للوكالة ذاتها أن الضربات كانت عنيفة ومفاجئة، وأن أصوات الانفجارات ترددت في أرجاء المدينة منذ الساعات الأولى من الفجر، ما دفع العديد من العائلات إلى الفرار من منازلها باتجاه مناطق أقل تعرضًا للخطر.
الهجوم يمتد إلى الأبيض وتصاعد في وتيرة التصعيد
في تطور خطير، شهدت مدينة الأبيض، عاصمة إقليم كردفان غرب البلاد، هجومًا آخر بطائرات مسيّرة استهدف تجمعًا لقوات الجيش السوداني صباح الجمعة. ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة غارات متتالية طالت خمس مدن سودانية في أقل من أسبوع، منذ بداية التصعيد يوم السبت الماضي في بورتسودان.
خريطة القصف: خمس مدن تحت النار
وبحسب التقارير العسكرية ومصادر إعلامية، تجاوز عدد الهجمات حتى الآن 30 ضربة، استهدفت قواعد عسكرية، ومخازن للأسلحة، ومنشآت حيوية في مدن: بورتسودان، وكسلا شرقًا، وعطبرة شمالًا، وكوستي جنوب غرب، إلى جانب مدينة الأبيض غرب البلاد. هذا التصعيد يمثل تحولًا نوعيًا في تكتيكات الحرب، إذ بدأت المسيّرات تُستخدم بشكل واسع لاستهداف البنية التحتية للجيش السوداني.
تحليل: إلى أين تتجه الحرب في السودان؟
استخدام المسيّرات… تغيير في ميزان القوة
يُشير المراقبون إلى أن اتساع رقعة الهجمات الجوية باستخدام الطائرات دون طيار يُعد مؤشرًا على تغيّر في طبيعة المعركة، خصوصًا أن بورتسودان كانت تُعد لفترة طويلة منطقة آمنة نسبيًا، بل ومقرًا مؤقتًا لبعض مؤسسات الدولة بعد سقوط الخرطوم في قبضة النزاع المسلح.
ويُحتمل أن الهدف من هذه الضربات هو زعزعة الاستقرار في المدن المتبقية تحت سيطرة الجيش، ومنعها من أن تكون ملاذًا آمنًا للمدنيين أو مركزًا لوجستيًا لإعادة تنظيم القوات الحكومية.
هل نحن أمام تحول استراتيجي؟
يعكس هذا التصعيد انتقال المعركة إلى مرحلة أكثر شراسة وتعقيدًا، حيث تُستخدم الوسائل التقنية المتطورة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، في توجيه ضربات دقيقة وموجعة. وقد يفتح ذلك الباب أمام مرحلة جديدة في الصراع، تتسع فيها دائرة الدمار وتضيق فيها فرص الحل السلمي.
كارثة إنسانية تتفاقم: السودان على شفا مجاعة كبرى
في موازاة التصعيد العسكري، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن الحرب الدائرة في السودان قد أدخلت البلاد في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم. حيث بات أكثر من 15 مليون سوداني في عداد النازحين، وبلغ عدد القتلى أكثر من 150 ألف شخص منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023.
الجوع يتفشى في جميع أنحاء البلاد
توقفت إمدادات الغذاء الأساسية في مناطق كثيرة من السودان بسبب انقطاع الطرق، وانهيار البنية التحتية، وانتشار الفوضى الأمنية. كما أن ملايين الأطفال يواجهون خطر سوء التغذية الحاد، في ظل عجز المجتمع الدولي عن توفير ممرات آمنة لتقديم المساعدات الإنسانية.
دعوات دولية متكررة بلا استجابة فعلية
ورغم تكرار المناشدات من المنظمات الدولية، لم يتم التوصل حتى الآن إلى أي اتفاق دائم لوقف إطلاق النار. ما جعل السودان يتحول تدريجيًا إلى بؤرة نزاع منسية، مع تراجع الاهتمام الدولي وتزايد أعباء الأزمات الإقليمية والعالمية الأخرى.
خاتمة: بورتسودان تنزف… فهل هناك أمل قريب؟
الهجمات المتكررة على بورتسودان والمدن السودانية الأخرى تكشف عن خطورة المرحلة التي بلغها النزاع الداخلي، حيث بات المدنيون هم الضحايا الرئيسيون في صراع لا يبدو أن له نهاية قريبة. وفي ظل غياب حلول سياسية حقيقية، يظل مستقبل السودان غامضًا ومفتوحًا على جميع السيناريوهات، من الانهيار الكامل إلى التقسيم، أو حتى تدويل الأزمة.
ويبقى الأمل معلقًا على تحرك عاجل وفعّال من قبل المجتمع الدولي، للضغط نحو تسوية سياسية توقف آلة الحرب، وتنقذ ما تبقى من نسيج السودان وشعبه.