في تصعيد جديد للتوترات في شبه الجزيرة الكورية، أعلنت كوريا الشمالية يوم الجمعة أن زعيمها كيم جونغ أون أشرف شخصيًا على تدريبات عسكرية تحاكي تنفيذ هجمات نووية مضادة، تستهدف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، في رسالة واضحة لما تعتبره بيونغيانغ تهديدًا وجوديًا من مناورات مشتركة بين واشنطن وسيول.
مناورات تحاكي ضربة نووية مضادة: تصعيد أم ردع؟
أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية أن التدريبات شملت استخدام نظام صاروخي متطور، بالإضافة إلى إطلاق صاروخ باليستي تكتيكي، في إطار تدريب يحاكي “الإجراءات العملياتية للانتقال السريع إلى وضع الهجوم النووي المضاد”.
التحقق من جاهزية النظام النووي
ووفق الوكالة الرسمية، فقد “تحققت القيادة الكورية الشمالية من فعالية نظام التعبئة والاستجابة السريعة، وقدرته على الرد الفوري على أي تهديد نووي محتمل”، وهو ما يراه مراقبون محاولة لتعزيز صورة الردع النووي أمام الضغوط الأمريكية والكورية الجنوبية المتزايدة.
سياق التصعيد: تجارب صاروخية متكررة
يأتي هذا الإعلان بعد يوم واحد فقط من تنفيذ كوريا الشمالية تجارب صاروخية وصفتها سيول بأنها شملت “أنواعًا مختلفة” من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى. وقد رجح الجيش الكوري الجنوبي أن تكون هذه التجارب مرتبطة بأنشطة صادرات الأسلحة إلى روسيا، في مؤشر على تعاون عسكري محتمل بين موسكو وبيونغيانغ.
ردود دولية وتحذيرات متزايدة
يُذكر أن كوريا الشمالية تخضع منذ سنوات لعقوبات دولية مشددة فرضتها الأمم المتحدة بسبب برنامجها النووي والصاروخي، الذي يُحظر بموجبه امتلاك أو تطوير الصواريخ الباليستية. لكن النظام الكوري الشمالي يواصل تحدي هذه العقوبات عبر اختبارات متكررة، وتوسيع ترسانته النووية، مؤكدًا أن السلاح النووي يشكل “الضمانة الوحيدة للردع ضد العدوان الأمريكي”.
كوريا الشمالية وتحديث القدرات البحرية: بُعد جديد للصراع
لم تقتصر أنشطة كوريا الشمالية العسكرية على التجارب البرية، إذ أصدر الزعيم كيم جونغ أون مؤخرًا تعليمات بتسريع وتيرة تسليح القوات البحرية بالأسلحة النووية، في إطار استراتيجية أكثر شمولًا تدمج القدرات البرية والبحرية والجوية.
المدمّرة “تشوي هيون”: تهديد متحرك في البحر
في أبريل الماضي، كشفت بيونغيانغ عن إطلاق مدمّرة جديدة زنتها 5000 طن، أطلق عليها اسم “تشوي هيون”، وسط تكهنات من خبراء عسكريين بأنها قد تكون مجهزة بصواريخ نووية تكتيكية قصيرة المدى. ويُعد هذا التطور تحولًا لافتًا في العقيدة العسكرية الكورية الشمالية، التي باتت تسعى لامتلاك قدرة هجومية بحرية نووية.
رسالة موجهة للولايات المتحدة وحلفائها
يرى محللون أن هذه المناورات البحرية تأتي في إطار الرد على المناورات المشتركة التي تجريها القوات الأمريكية والكورية الجنوبية في المنطقة، والتي تعتبرها بيونغيانغ بمثابة “تدريبات غزو محتمل”. وتحاول كوريا الشمالية من خلال هذه الإجراءات إرسال رسالة قوية بأنها تملك الوسائل الكافية للرد في حال تعرضت لهجوم مفاجئ.
كوريا الشمالية: بين الردع والانعزال
يعكس المشهد الراهن في شبه الجزيرة الكورية حالة من التصعيد المستمر، حيث تُواصل كوريا الشمالية تعزيز قدراتها النووية، متذرعة بسياسات “العدوان” التي تتبعها الولايات المتحدة وحلفاؤها، في حين تسعى واشنطن إلى فرض المزيد من العزلة والضغط الاقتصادي على النظام في بيونغيانغ.
هل نحن على شفا مواجهة نووية؟
رغم أن فرص اندلاع مواجهة نووية شاملة ما تزال ضئيلة، إلا أن استمرار التجارب الصاروخية والمناورات العسكرية المتبادلة يزيد من خطر وقوع حادث غير مقصود قد يؤدي إلى انفجار الصراع. ويزداد هذا الخطر في ظل غياب أي قنوات اتصال فعالة بين الطرفين، بعد انهيار المحادثات النووية بين واشنطن وبيونغيانغ منذ سنوات.
الدبلوماسية في مأزق
حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات على استئناف قريب للحوار بين الجانبين، خصوصًا مع انشغال الولايات المتحدة بأزمات دولية أخرى، مثل أوكرانيا وغزة، ما يترك شبه الجزيرة الكورية ساحة مفتوحة لكل السيناريوهات المحتملة.
سباق نحو التسلّح النووي… ومصير غامض للمنطقة
تُشير التدريبات النووية الأخيرة التي أشرف عليها كيم جونغ أون إلى أن كوريا الشمالية مستمرة في السير في طريق التصعيد والردع النووي، متحدية بذلك الإرادة الدولية. وفي ظل غياب الحلول الدبلوماسية، يُخشى أن تتحول المنطقة إلى بؤرة ساخنة جديدة، تُهدد الأمن الإقليمي والدولي.
ويبقى الرهان على عودة الهدوء رهينًا بإرادة الأطراف الكبرى، وإعادة فتح قنوات الحوار بين بيونغيانغ وواشنطن، لتفادي دخول العالم في أزمة جديدة لا تُحمد عقباها.