أسباب رئيسية تحول دون اندلاع “حرب شاملة” بين الهند وباكستان

على الرغم من عقود من التوترات المتصاعدة والعداوات التاريخية، فإن شبح الحرب التقليدية الشاملة بين الهند وباكستان لا يزال بعيد المنال. هذا الاستنتاج يبدو مناقضًا للواقع الذي شهد ثلاث حروب كبرى بين البلدين منذ استقلالهما عن الحكم البريطاني في عام 1947، بالإضافة إلى سلسلة لا تنتهي من المناوشات والاشتباكات الحدودية، والتي كان مسرح بعضها أعلى وأبرد بقعة قتالية على وجه الأرض في منطقة جليدية وعرة.

آخر فصول التوتر تجلى في هجوم مسلح استهدف سياحًا، حيث سارعت نيودلهي إلى توجيه أصابع الاتهام لجماعات مسلحة تزعم أنها تتلقى دعمًا من إسلام آباد، وهو ما قوبل بنفي قاطع من الجانب الباكستاني. ومع ذلك، فإن هذا الاحتقان، على حدته، لم يتحول إلى صراع شامل، ويعزو محللون هذا الثبات النسبي إلى عدة عوامل مترابطة، يأتي في مقدمتها امتلاك كلا البلدين لقوة ردع نووية كبيرة، كما أشار تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”.

1. قوة الردع النووي: سيف ذو حدين يمنع الحرب الشاملة

يمتلك كل من الهند وباكستان ترسانة نووية تقدر ما بين 170 إلى 180 رأسًا نوويًا، موزعة على منظومات إطلاق متنوعة تشمل صواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. هذه القدرة النووية لا تُنظر إليها كأداة للهجوم، بل كضمانة للردع الاستراتيجي. وفي هذا السياق، يوضح المحلل الأمني المقيم في إسلام آباد، سيد محمد علي، أن “امتلاك الطرفين للأسلحة النووية يخلق وضعًا يعرف بـ ‘التدمير المتبادل المؤكد’ (Mutual Assured Destruction – MAD)، وهو ما يجعل فكرة الانزلاق إلى حرب شاملة أمرًا بالغ الصعوبة والتكلفة لكلا الطرفين.”

على الرغم من التكتم الرسمي الذي يحيط بقدرات البلدين النووية، فإن الافتقار المحتمل لقدرة “الضربة الثانية” المضمونة لدى أي من الطرفين – أي القدرة على شن هجوم نووي انتقامي فعال بعد تلقي ضربة أولى – يزيد من حالة الغموض الاستراتيجي والحساسية المتبادلة. هذا السيناريو المعقد يدفع كلا البلدين إلى توخي أقصى درجات الحذر في أي تصعيد عسكري.

2. كشمير: الجرح المفتوح الذي لم يتحول إلى حرب إقليمية

تعتبر منطقة كشمير، منذ عام 1947، بؤرة الصراع الأزلية بين الهند وباكستان، حيث يتنازع البلدان على السيادة الكاملة على هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية والرمزية. يسيطر كل من الهند وباكستان على أجزاء مختلفة من الإقليم، لكن الخلافات العرقية والدينية، بالإضافة إلى حركات التمرد المسلحة المدعومة من الخارج، حولت المنطقة إلى ساحة اشتباكات دائمة.

شكلت قضية كشمير السبب المباشر لاندلاع حربين من الحروب الثلاث التي خاضها البلدان، ولا تزال المنطقة تشهد بشكل شبه يومي حوادث عنف واشتباكات حدودية. ومع ذلك، على الرغم من هذا التاريخ الطويل من الصراع، لم تتصاعد الأزمة الكشميرية إلى حرب إقليمية شاملة، ويعود ذلك جزئيًا إلى وجود قوة الردع النووي التي تمنع أيًا من الطرفين من المخاطرة بتصعيد كبير قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

3. اختلال ميزان القوى العسكرية: التفوق الهندي يفرض قيودًا

على الرغم من أن الجيش الباكستاني يعتبر قوة عسكرية مدربة وفعالة، إلا أن الميزانية الدفاعية الهندية الضخمة تمنح نيودلهي تفوقًا عسكريًا واضحًا. ففي عام 2025، بلغت ميزانية الدفاع الهندية 74.4 مليار دولار أمريكي، مقارنة بـ 10 مليارات دولار خصصتها باكستان لجيشها في العام نفسه. هذا الفارق الكبير في الإنفاق العسكري ينعكس على حجم وتطور المعدات والتقنيات العسكرية التي يمتلكها كل طرف.

تمتلك الهند أيضًا ضعف عدد الجنود النظاميين مقارنة بباكستان، مما يخلق فجوة كبيرة يصعب على إسلام آباد تجاوزها على المدى القصير. هذا الاختلال في ميزان القوى يدفع باكستان إلى تبني استراتيجيات دفاعية أكثر حذرًا وتجنب أي مواجهة عسكرية تقليدية واسعة النطاق قد تستغل فيها الهند تفوقها العددي والتكنولوجي.

4. التصعيد المحدود والتكتيكات الحذرة: إدارة الصراع بحذر

تتسم التحركات العسكرية التي تقوم بها الهند وباكستان على طول الحدود المشتركة، وخاصة “خط السيطرة” في كشمير، بقدر كبير من الحذر والتكتم. غالبًا ما يتم تنفيذ الضربات في أوقات غير متوقعة، مثل الليل أو الفجر، وتستهدف في الغالب مناطق نائية ذات كثافة سكانية منخفضة. هذه التكتيكات تهدف إلى الحد من الخسائر البشرية وتوفير مساحة للتهدئة الدبلوماسية قبل أن يتصاعد الوضع إلى ما لا يمكن السيطرة عليه.

تلعب هذه العمليات العسكرية المحدودة أدوارًا سياسية أيضًا، مثل تهدئة الرأي العام الداخلي الغاضب أو ممارسة الضغط على الطرف الآخر في المفاوضات. ومع ذلك، فإنها تتم بشكل عام دون نية واضحة للغزو أو السيطرة على أراض جديدة، مما يشير إلى رغبة ضمنية في الحفاظ على الوضع الراهن وتجنب حرب شاملة.

5. غياب النية للغزو أو السيطرة: أهداف محدودة للصراع

على عكس العديد من النزاعات الدولية الأخرى التي تنطوي على أهداف استراتيجية أوسع مثل السيطرة على الموارد أو فرض النفوذ الإقليمي، لا يبدو أن الهند أو باكستان تسعيان إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال صراع مباشر وشامل. تركز معظم العمليات العسكرية على توجيه رسائل واضحة ومحددة للطرف الآخر، ويحرص كلا البلدين على تجنب استهداف المدن الكبرى أو المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، باستثناء ما قد يحدث بشكل عرضي نتيجة للاشتباكات الحدودية.

باستثناء قضية كشمير التي تمثل حالة فريدة من نوعها بسبب بعدها التاريخي والعاطفي، لا تُظهر الدولتان رغبة حقيقية في التوسع الإقليمي أو فرض الهيمنة على الأخرى. بدلاً من ذلك، تتركز استراتيجياتهما الأمنية على تحقيق الردع والحفاظ على قدر من الاستقرار النسبي في المنطقة، على الرغم من استمرار التوترات والاشتباكات المتقطعة.

الهندباكستانحرب شاملة
Comments (0)
Add Comment