في خطوة تُعدّ علامة فارقة في تاريخ العملات الرقمية، سجّلت بتكوين (BTC) خلال تداولات يوم الجمعة المبكرة قفزةً قوية، لتبلغ أعلى مستوى لها على الإطلاق، متجاوزة حاجز 118 ألف دولار. يأتي هذا الارتفاع اللافت في سياق موجة متصاعدة من الطلب المؤسسي، بالتزامن مع سياسات داعمة للعملات المشفرة أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
صعود قياسي يتجاوز 26% منذ بداية العام
وفقًا لبيانات منصة Coin Metrics، ارتفعت أكبر عملة مشفرة في العالم إلى مستوى ذروة بلغ 118,438.80 دولار خلال التعاملات الآسيوية. وبذلك تكون العملة قد حققت مكاسب بأكثر من 26% منذ بداية العام الجاري، ما يعكس إقبالًا لافتًا من كبار المستثمرين والمؤسسات المالية على شراء العملة الرقمية.
وسجلت بتكوين في آخر تعاملاتها مستوى قريبًا من القمة التاريخية عند 118,048 دولارًا، لتؤكد استمرار الزخم الصعودي القوي.
الطلب المؤسسي يقود السوق
أكد جوشوا تشو، الرئيس المشارك لشركة Web3 Association في هونغ كونغ، أن هذه القفزة التاريخية جاءت نتيجة “تراكم لا هوادة فيه للطلب المؤسسي”، مضيفًا أن “لاعبين كبارًا في الأسواق المالية باتوا يقبلون على شراء الأصول الرقمية ويستوعبون السيولة المتاحة في التداول، وهو ما يغذي صعود الأسعار بوتيرة غير مسبوقة”.
في السنوات الماضية، كانت العملات المشفرة تواجه شكوكا تنظيمية واسعة واتهامات بأنها أداة مضاربة عالية المخاطر، إلا أن دخول المؤسسات المالية الكبرى مثل صناديق التحوط وشركات إدارة الثروات قد عزّز شرعية هذا القطاع ودفعه إلى مصاف الأصول الرئيسية التي يخطط المستثمرون لتخصيص حصة منها ضمن محافظهم الاستثمارية.
سياسات ترامب تدعم انتشار العملات الرقمية
من العوامل المهمة التي ساهمت في ارتفاع بتكوين توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مارس الماضي أمرًا تنفيذيًا يقضي بتأسيس احتياطي استراتيجي من العملات المشفرة، ضمن خطة أوسع لتعزيز مكانة الولايات المتحدة كداعم رئيسي للتكنولوجيا المالية.
كما عيّن ترامب شخصيات بارزة من المؤيدين للصناعة الرقمية في مناصب مفصلية، من بينهم بول أتكينز الذي أصبح رئيسًا لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)، في خطوة لاقت ترحيبًا واسعًا من أوساط المستثمرين في قطاع العملات المشفرة.
هذه التحركات السياسية أسهمت في رفع ثقة السوق، وأعطت إشارة واضحة بأن واشنطن لن تضيّق الخناق على تداول العملات الرقمية في المستقبل القريب، بل قد تدفع نحو تنظيم يوازن بين حماية المستهلك وتشجيع الابتكار.
إيثر تحذو حذو بتكوين وتقفز لأعلى مستوياتها في خمسة أشهر
لم يكن صعود بتكوين هو الوحيد في السوق، بل تبعتها عملة إيثيريم (ETH)، ثاني أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية. فقد ارتفعت إيثر بنحو 7% لتسجل 3,013 دولارًا، بعدما لامست في وقت سابق من الجلسة مستوى 3,029 دولارًا، وهو أعلى سعر تحققه منذ خمسة أشهر.
ويعتبر العديد من الخبراء أن ارتفاع إيثر مرتبط بترقية شبكة الإيثريوم مؤخرًا، والتي حسّنت من كفاءتها وتقليل استهلاك الطاقة، مما رفع جاذبيتها لدى المستثمرين المؤسساتيين.
العوامل المحفزة الأخرى لارتفاع أسعار العملات الرقمية
إلى جانب الدعم السياسي والطلب المؤسسي، ثمة عوامل إضافية ساعدت في تسارع وتيرة الصعود، أبرزها:
- تزايد الإقبال على صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) المرتبطة بالعملات المشفرة، والتي توفر للمستثمرين أدوات مالية أكثر تنظيمًا وشفافية.
- مخاوف التضخم التي جعلت العملات الرقمية ملاذًا جاذبًا للتحوّط ضد تراجع القوة الشرائية للعملات التقليدية.
- تحسن البنية التحتية التكنولوجية للمنصات الرقمية، ما عزّز الثقة في قدرة النظام البيئي للعملات المشفرة على التوسع والتعامل مع أعداد ضخمة من المعاملات.
تحديات مستقبلية تواجه سوق العملات المشفرة
رغم الأرقام القياسية، يظل هذا السوق محفوفًا بالتحديات والمخاطر التي ينبغي على المستثمرين وضعها في الحسبان، من أهمها:
- التقلبات السعرية الحادة التي قد تؤدي إلى خسائر جسيمة للمستثمرين على المدى القصير.
- عدم اليقين التنظيمي، إذ لا يزال مستقبل السياسات الحكومية تجاه العملات المشفرة محل جدل في عدد من الاقتصادات الكبرى.
- مخاطر الأمان السيبراني والهجمات الإلكترونية على المنصات والمحافظ الرقمية.
التوقعات: هل تستمر رحلة الصعود؟
يرى بعض المحللين أن موجة الصعود هذه قد تمتد في حال استمرار التدفقات المؤسسية وتزايد تبنّي العملات الرقمية من قبل الشركات الكبرى والبنوك الاستثمارية. فيما يحذر آخرون من احتمال تصحيح سعري قوي نتيجة جني الأرباح بعد الوصول لمستويات قياسية جديدة.
مع ذلك، يعتقد المراقبون أن الاتجاه طويل الأمد يظل صعوديًا مدفوعًا بالتحوّل التدريجي نحو اقتصاد رقمي متكامل، حيث تصبح العملات المشفرة جزءًا لا يتجزأ من النظام المالي العالمي.
إن تجاوز بتكوين لحاجز 118 ألف دولار يعبّر عن لحظة تاريخية فارقة في مسيرة العملة الرقمية الأشهر، ويعكس في الوقت نفسه حجم التحولات العميقة التي يشهدها عالم المال والتكنولوجيا. وبينما تواصل العملات المشفرة إثارة الجدل وتحدي المعايير التقليدية، يبدو أن زمن تجاهلها قد ولّى، وأن المستقبل يخبئ المزيد من المفاجآت لهذا القطاع سريع النمو.