“دايملر تراك” الألمانية تطلق خطة لتصنيع الشاحنات في غرب أفريقيا عبر مصنع تجميعي في السنغال

في خطوة جديدة تعكس التوجه الأوروبي نحو الاستثمار في أفريقيا وتوطين الصناعات الثقيلة، أعلنت شركة دايملر تراك“(Daimler Truck) الألمانية، الرائدة عالميًا في تصنيع الشاحنات والمركبات التجارية، عن بدء خطة استراتيجية لإنتاج وتجميع شاحنات “مرسيدس-بنز” داخل الأراضي السنغالية.

وتُعد هذه الخطوة تطورًا لافتًا في جهود الشركة لتوسيع حضورها في القارة السمراء، وللمساهمة في تنمية اقتصادية مستدامة في منطقة غرب أفريقيا، التي تشهد اهتمامًا دوليًا متزايدًا بوصفها سوقًا واعدة وصاعدة.


مشروع تجميعي بمعايير عالمية

وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الشركة، فإن المشروع يتركز على إنشاء مصنع تجميعي حديث في العاصمة السنغالية داكار، حيث سيُعاد تجميع الشاحنات وفقًا لمبدأ التجميع المعياري المعروف بـ”CKD” (Completely Knocked Down)، وهو نظام توريد يتم فيه شحن المركبات مفككة في حاويات من ألمانيا وتجميعها محليًا.

وسيتيح هذا النظام توفير الوقت وخفض تكاليف النقل والجمارك، فضلًا عن تطوير مهارات القوى العاملة المحلية في قطاع الصناعات الثقيلة والتجميع الهندسي.

وأكدت “دايملر تراك” أن المشروع يُجرى تنسيقه بشكل وثيق مع الحكومة الألمانية والسلطات السنغالية، في إطار تعاون تنموي يرمي لتعزيز القدرات الصناعية للدول الأفريقية.


أهداف متعددة للإنتاج المحلي

يهدف المصنع المرتقب في السنغال إلى تجميع شاحنات من طرازات مختلفة تحت علامة “مرسيدس-بنز”، لتلبية احتياجات متنوعة أبرزها:

✅ المركبات الخاصة بالدفاع وحماية الحدود.
✅ شاحنات الإغاثة المخصصة للطوارئ والكوارث الطبيعية.
✅ شاحنات الخدمات البلدية والمحلية، مثل جمع النفايات ونقل المعدات.

ومن المتوقع أن يُسهم المصنع في تحسين جاهزية البنية التحتية واللوجستية في السنغال، كما سيتيح للسلطات المحلية توفير مركبات مصممة خصيصًا لبيئة غرب أفريقيا ومناخها الصعب، ما يمنحها موثوقية عالية مقارنة بالمركبات المستوردة بشكل كامل.


اتفاقية ثلاثية وخطة تشغيل واضحة

بحسب ما كشفت “دايملر تراك”، ستتولى شركة أخرى بناء وتشغيل المصنع وفق اتفاقية شراكة يتم إعدادها حاليًا بين الأطراف الثلاثة:

🔹 حكومة السنغال.
🔹 شركة “دايملر تراك”.
🔹 الشركة المنفذة للمشروع التي لم يُعلن عن اسمها بعد.

وقد وقّعت الأطراف خطاب نوايا رسمي في العاصمة داكار، ما يعكس الجدية في المضي قدمًا نحو دخول مرحلة التنفيذ العملي خلال الفترة القريبة المقبلة.

ووفقًا للخطط الأولية، من المتوقع بدء الإنتاج الفعلي في عام 2026، على أن تبدأ أعمال الإنشاءات والتجهيزات اللوجستية خلال عام 2025.


ركيزة لتعزيز التنمية الاقتصادية

يأتي هذا الاستثمار في توقيت بالغ الأهمية للسنغال، حيث تسعى الحكومة جاهدة إلى اجتذاب استثمارات نوعية تخلق فرص عمل وتفتح آفاق التدريب المهني أمام الشباب.

ويبلغ عدد سكان السنغال قرابة 18 مليون نسمة، يُعدّ متوسط أعمارهم من الأصغر في العالم، إذ يمثل الشباب النسبة الأكبر من التركيبة السكانية.

ومن هذا المنطلق، يُعد مشروع “دايملر تراك” فرصة ثمينة لتعزيز المهارات التقنية وخلق فرص عمل مستدامة، بما يتماشى مع رؤية السنغال التنموية 2035، التي تركز على التصنيع المحلي والنمو الأخضر.


مؤشرات اقتصادية مشجعة

ويعزز هذا التفاؤل توقعات البنك الدولي بأن السنغال ستشهد أعلى معدل نمو اقتصادي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال عام 2025، حيث يُقدر معدل النمو بنحو 9.7%، مدفوعًا ببدء تصدير النفط والغاز المكتشف مؤخرًا في سواحل البلاد الأطلسية.

وتأمل الحكومة السنغالية أن يؤدي وجود منشآت صناعية مثل مصنع شاحنات “مرسيدس-بنز” إلى تحفيز مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لاسيما في قطاع الصناعات الثقيلة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية.


حضور تاريخي في القارة الأفريقية

جدير بالذكر أن “دايملر تراك” تمتلك تاريخًا طويلًا في أفريقيا، إذ تُدير الشركة بالفعل مصانع تجميع في جنوب أفريقيا وكينيا.

وفي جنوب أفريقيا على وجه الخصوص، يجري منذ سنوات تجميع شاحنات مرسيدس-بنز وشاحنات “فوزو”، مع توريد غالبية المكوّنات والأنظمة الهندسية من مصانع الشركة الأم في ألمانيا.

وبهذا، يصبح مصنع السنغال ثالث منشأة لتجميع الشاحنات التابعة للشركة في القارة، وخطوة مهمة لإعادة رسم خريطة توزيع الإنتاج بين الأسواق النامية والصاعدة.


تأكيد الالتزام الأوروبي تجاه أفريقيا

تعكس هذه الخطوة أيضًا رغبة الاتحاد الأوروبي وحكوماته في دعم الدول الأفريقية لبناء قدرات صناعية مستقلة وتقليل الاعتماد على الواردات الجاهزة.

وتسعى الدول الأوروبية إلى توسيع مجالات التعاون مع شركاء القارة السمراء، خصوصًا مع تصاعد المنافسة مع الصين وتركيا في التوسع الصناعي والاستثماري في أفريقيا.

وبحسب مسؤولين في الحكومة الألمانية، فإن المشروع يندرج ضمن استراتيجية شاملة لتعزيز “الشراكات المتساوية” مع الدول الأفريقية، بحيث تتحول المصانع الجديدة إلى مراكز تصدير إقليمية نحو أسواق غرب ووسط أفريقيا.


تأثير متوقع على قطاع الشاحنات والنقل

من الناحية العملية، يتوقع خبراء قطاع النقل أن يساهم المصنع في خفض تكاليف اقتناء الشاحنات والمركبات التجارية الجديدة في غرب أفريقيا، بفضل التصنيع المحلي وتوفير الرسوم الجمركية المترتبة على الشحن الكامل من أوروبا.

كما أن قدرة المصنع على تعديل التجهيزات بحسب المواصفات المحلية، كتعزيز أنظمة التبريد وتحسين مقاومة الغبار والحرارة، ستزيد جاذبية مركبات “مرسيدس-بنز” مقارنة بالمنافسين الآسيويين والأوروبيين الذين يوردون سيارات جاهزة.

نظرة إلى المستقبل

في ضوء هذا الإعلان، تتجه الأنظار إلى الكيفية التي ستتطور بها منظومة إنتاج الشاحنات في غرب أفريقيا، وما إذا كانت هذه الخطوة ستمهد الطريق لمشاريع مماثلة من علامات أوروبية وأميركية كبرى.

ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن توطين الصناعات الثقيلة قد يصبح خلال العقد القادم أحد أهم محركات النمو الاقتصادي لدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، خصوصًا تلك التي بدأت بتحسين مناخ الاستثمار وبناء بنية تحتية موثوقة.

وتبقى السنوات القليلة المقبلة حاسمة لمعرفة مدى قدرة “دايملر تراك” على الوفاء بوعودها وتحقيق نقل حقيقي للخبرات الصناعية إلى السنغال، بما يعود بالنفع على العمالة المحلية والاقتصاد الوطني ككل.

Daimler Truckأفريقياألمانياالسنغالدايملر تراكمرسيدس-بنز
Comments (0)
Add Comment