تحذير… عبوات الموت تلوث طعامك وشرابك بالبلاستيك والسموم المسرطنة!

في زمن أصبحنا فيه نعتمد على الأطعمة المعلبة والمغلفة والجاهزة أكثر من أي وقت مضى، تتسلل إلى موائدنا جسيمات خفية لا ترى بالعين المجردة، لكنها تحمل أخطر التهديدات لصحة الإنسان.

يظن الكثيرون أن مجرد تقشير الغلاف البلاستيكي أو فتح عبوة الطعام هو إجراء روتيني آمن، إلا أن العلم يكشف الآن عن حقائق صادمة: تلك الخطوات البسيطة قد تلوث طعامك بآلاف الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والمواد الكيمياوية السامة.

بحسب دراسة حديثة، نشرت في دورية NPJ Science of Food واستعرضتها شبكة CNN الأميركية، فإن عملية تصنيع وتعبئة وتخزين الأغذية تُطلق ما يزيد عن 3600 مادة كيمياوية تدخل في نهاية المطاف إلى الجسم البشري، مهددة سلامة أعضائه وخلاياه وصحته على المدى الطويل.


البلاستيك… عدو خفي يتربص على الرفوف

تبدأ القصة مع لحظة تبدو عادية: تفتح عبوة جبن أو تفك الغلاف البلاستيكي عن طبق الفاكهة. ما لا تعرفه أن هذا الاحتكاك البسيط يطلق كميات هائلة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوبلاستيكية.

وفقًا للدكتورة ليزا زيمرمان، الباحثة الرئيسية في الدراسة، فإن مجرد فتح وإغلاق أغطية الزجاجات مرارًا وتكرارًا يحرر هذه الجسيمات في الشراب أو الطعام، حتى الزجاجات والبرطمانات التي تحمل أغطية معدنية مبطنة بالبلاستيك ليست بمنأى عن هذا التلوث.

تقول زيمرمان بوضوح:

“الأبحاث تؤكد أن عدد الجسيمات البلاستيكية الدقيقة يزداد مع كل مرة تفتح فيها الزجاجة، ويصبح الغلاف البلاستيكي نفسه مصدر تلوث مستمر.”


من الأرفف إلى الدماغ… رحلة بلاستيكية مرعبة

الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تعرف بأنها شظايا بوليمرية يقل حجمها عن 5 ملليمترات، أما النانوبلاستيكية فهي أصغر من ذلك بكثير، لا يتجاوز حجمها أجزاء من المليار من المتر.

ما يثير الذعر حقًا أن هذه الجسيمات صغيرة جدًا بحيث تتمكن من عبور جدران الأمعاء والرئتين والدخول إلى مجرى الدم، فتجول في أنحاء الجسم، وتصل إلى الأعضاء والأنسجة وحتى الخلايا.

في السنوات الأخيرة، رصد العلماء وجودها في:

  • الرئتين والكبد
  • مجرى الدم
  • المشيمة وحليب الأم
  • أنسجة الخصيتين والقضيب
  • وأخيرًا الدماغ البشري

وتوصلت دراسة حديثة، نشرت في مارس 2024، إلى أن الأشخاص الذين عثر لديهم على جسيمات بلاستيكية دقيقة أو نانوية في شرايينهم كانوا عرضة للوفاة أو الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية بمعدل الضعف مقارنة بمن لم تُرصد لديهم هذه الجسيمات.


المواد المسرطنة: عبوات تحولت إلى قنابل صحية

لم يقتصر الأمر على التلوث البلاستيكي فحسب، بل كشفت تحاليل أخرى عن تسرب أكثر من 3600 مادة كيمياوية من العبوات إلى الطعام. بعضها معروف علميًا بأنه يسبب:

  • السرطان
  • الطفرات الجينية
  • خلل الغدد الصماء
  • مشاكل الإنجاب

بلغ عدد المواد المصنفة كمسرطنة أو مسببة لطفرات جينية خطيرة حوالي 79 مادة، بحسب دراسة منفصلة أجراها منتدى تغليف الأغذية ونُشرت في سبتمبر 2024.

يقول ديفيد أندروز، خبير الصحة البيئية:

“الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تغليف الطعام ليس مجرد غلاف بريء، بل صار مصدرًا أساسيًا للتعرض اليومي للبلاستيك والمواد السامة.”


لماذا تزداد الخطورة مع الأطعمة فائقة المعالجة؟

توضح الدراسات أن الأطعمة فائقة المعالجة تحتوي على نسب أعلى من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة مقارنة بالأطعمة الطازجة أو قليلة المعالجة.

السبب؟ كل خطوة إضافية للتصنيع والمعالجة—مثل الطحن، المزج، التسخين، التعبئة، الحفظ—تعني مزيدًا من الوقت الذي يحتك فيه البلاستيك بالطعام، فتزداد احتمالية التلوث.

تشرح جين مونك، الباحثة الرئيسية المشاركة:

“الأمر لا يرتبط بنوع البلاستيك وحده، بل أيضًا بمدة الاستخدام ودرجة الحرارة وطريقة فتح وإغلاق العبوات.”

وتشير إلى أن:

  • تسخين العبوات في الميكروويف أو تعريضها للشمس يضاعف من معدل التلوث.
  • غسل الأوعية البلاستيكية بشكل متكرر يؤدي إلى إطلاق جسيمات إضافية.
  • الضغط الميكانيكي مثل اللف والفتح يزيد معدل التآكل.

أرقام صادمة… ربع مليون جسيم بلاستيكي في لتر ماء

أحد أمثلة الدراسات المراجعة كشف أن لترًا واحدًا من المياه المعبأة قد يحتوي على 240 ألف جسيم بلاستيكي، منها 90% نانوبلاستيكي، وهو الأخطر.

حتى المنتجات الشائعة مثل أوعية الميلامين، التي نجدها في كل بيت تقريبًا، ليست آمنة بالكامل. ففي دراسة أخرى، بعد غسل وعاء الميلامين 10 مرات و20 مرة و50 مرة، تضاعفت كمية الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في كل مرة، ليتحول وعاء الطعام إلى مورد مستمر للتلوث الخفي.


غياب البروتوكول العلمي الموحد

واحدة من المشكلات الكبرى في هذا المجال البحثي هي غياب معايير موحدة لقياس حجم التلوث.

تقول جين مونك:

“حتى الآن، لم تتفق الهيئات البحثية على بروتوكول موحد، لذا تختلف نتائج الدراسات باختلاف طرق القياس والتحليل.”

في الدراسة التحليلية الأخيرة، راجع الباحثون أكثر من ألف وثيقة علمية قبل اختيار 103 دراسة موثوقة للتمحيص، ثم ضيقوا النطاق أكثر ليصلوا إلى 7 دراسات عالية الموثوقية فقط.

هذا القصور يعني أن الأرقام المعلنة قد تكون أقل من الواقع بكثير.


ماذا يمكننا أن نفعل لحماية صحتنا؟

رغم صعوبة تجنب البلاستيك بالكامل في عالمنا المعاصر، ينصح الخبراء ببعض الخطوات العملية لتقليل التعرض:

✅ استخدام حاويات وأواني من الزجاج أو الفولاذ المقاوم للصدأ بدلاً من البلاستيك.
✅ عدم تسخين الطعام أو الشراب في عبوات بلاستيكية، خاصة في الميكروويف.
✅ تجنب إعادة استخدام العبوات البلاستيكية مرارًا وتكرارًا.
✅ عدم غسل الأطباق والأوعية البلاستيكية في غسالة الصحون.
✅ الانتباه لرمز إعادة التدوير أسفل العبوة وتجنب البلاستيك رقم 3 الغني بالفثالات.

يقول د. ليوناردو تراساندي، أخصائي طب الأطفال البيئي:

“يمكننا تقليل البصمة البلاستيكية خطوة بخطوة. لا شيء يضاهي وعي المستهلك.”


الوعي… خط الدفاع الأول

قد يكون من المستحيل التخلص من كل مصادر التلوث البلاستيكي حولنا، لكن إدراك حقيقة ما يحدث وتجنب الخيارات الأسوأ هو البداية الصحيحة.

كل مرة تختار فيها وعاءً زجاجيًا بدلاً من بلاستيكي، أو تتجنب تسخين الطعام في الميكروويف في عبوة بلاستيكية، أو تستغني عن الأطعمة فائقة المعالجة المعلبة، فأنت تقلل خطرًا يتهدد صحتك وصحة أسرتك.

في النهاية، الأمر لا يتعلق بالمبالغة في الخوف بقدر ما يتعلق بحقك في المعرفة واتخاذ القرار الواعي.

CNNالبلاستيكالمواد الكيمياويةالميكروويف
Comments (0)
Add Comment