تناول الجبن في المساء… هل هو حقًا طريقك إلى الكوابيس؟

في كل ليلة، نُحضر طعام العشاء ونظن أن اختياراتنا الغذائية تنتهي بمجرد أن نشعر بالشبع، لكن الحقيقة أن بعض هذه الخيارات قد تترك آثارًا غير متوقعة في عقولنا حتى بعد أن نغلق أعيننا.

سؤال طريف لكنه جاد في الوقت نفسه:
هل يمكن أن يكون الجبن أو اللبن الذي نتناوله ليلًا مسؤولًا عن الكوابيس التي توقظنا في منتصف الليل؟

هذا ما حاول فريق من الباحثين الكنديين استكشافه عبر دراسة علمية حديثة، ربما تكون الأولى من نوعها في الربط بين النظام الغذائي الليلي وطبيعة الأحلام التي نراها.


ماذا تقول الحكمة الشعبية؟

لطالما نصحنا كبار السن بألا نملأ معدتنا قبل النوم، بحجة أن الطعام الثقيل قد يسبب الأرق والكوابيس. وفي الثقافة الشعبية، ظلّت هذه الفكرة تتردد رغم ندرة الأبحاث العلمية التي تؤكدها.

لكن الباحثين بدأوا خلال السنوات الأخيرة ينظرون بجدية أكبر إلى العلاقة بين الطعام والأحلام. فالنوم ليس مجرد حالة خمول عقلي، بل هو لحظة معقدة يتفاعل فيها الجسم والعقل مع كل ما مررنا به خلال اليوم، بما في ذلك ما أكلناه.


الدراسة الكندية: أرقام وأبعاد

في دراسة جديدة نشرت نتائجها مجلة Frontiers in Psychology العلمية المرموقة، أجرى فريق بحثي من جامعة ماك إيوان الكندية استطلاعًا واسعًا شمل 1082 طالبًا على مدار أربعة أشهر.

ركزت الأسئلة على عادات المشاركين الغذائية، جودة نومهم، طبيعة أحلامهم، ومدى إدراكهم لوجود صلة بين ما يتناولونه ليلًا وما يرونه أثناء النوم.

ومن بين النتائج اللافتة:

✅ حوالي 40% من المشاركين شعروا أن نظامهم الغذائي يؤثر على نومهم بصفة عامة.
24.7% منهم وصفوا هذا التأثير بأنه سلبي، ما يعني أن الطعام كان مصدرًا محتملًا للأرق أو الأحلام المزعجة.
✅ نحو 5.5% أقروا بأن نظامهم الغذائي يؤثر بوضوح على أحلامهم، سواء في تكرار الكوابيس أو طبيعتها.


الجبن والحلويات: أبطال الكوابيس المزعجة

عندما سُئل الطلاب عن الأطعمة التي يعتقدون أنها الأكثر تسببًا في الكوابيس أو الأحلام الغريبة، تصدرت القائمة:

  • الحلويات: أشار إليها حوالي 22.7% كمسبب محتمل لتدهور جودة النوم، و29.8% كمؤثر سلبي على الأحلام.
  • منتجات الألبان: ذكرها 15.7% كأطعمة تزعج النوم، و20.6% كأكثر ما يحوّل الأحلام إلى تجربة “غريبة” أو “مزعجة”.

في المقابل، ظهرت بعض الأطعمة الأخرى في صورة البطل الإيجابي، إذ قال المشاركون إن الفواكه الطازجة والخضر وشاي الأعشاب ساعدتهم على نوم هادئ وأحلام أقل اضطرابًا.


لماذا منتجات الألبان تحديدًا؟

هنا يكمن جوهر البحث: لماذا يمكن أن يسبب كوب حليب دافئ أو قطعة جبن قبل النوم كوابيس مزعجة؟

الإجابة تتعلق بحساسية اللاكتوز، وهي عدم قدرة الجسم على هضم اللاكتوز (سكر الحليب) بصورة طبيعية، بسبب نقص أو غياب إنزيم اللاكتاز في الأمعاء الدقيقة.

يوضح البروفيسور توري نيلسن، عالم الأعصاب وخبير دراسة الأحلام في جامعة مونتريال والباحث الرئيسي في الدراسة:

“كثير من الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز يواصلون تناول منتجات الألبان دون إدراك تأثيرها الكامل على النوم.”

بحسب نيلسن، تؤدي هذه الحساسية إلى أعراض هضمية مختلفة مثل الانتفاخ، الغازات، تقلصات البطن، وأحيانًا الإسهال. وعندما يتناول الشخص الجبن أو الزبادي ليلًا، قد تبدأ هذه الأعراض بالظهور تدريجيًا خلال النوم، مسببة توترًا داخليًا ينعكس في شكل أحلام مشوشة أو كوابيس.


إشارات خفية من الأمعاء إلى الدماغ

من الحقائق المذهلة التي تطرق إليها البحث أن أجسامنا قد تلتقط الإشارات الجسدية دون وعي أثناء النوم، لتترجمها في محتوى الأحلام.

تقول الأبحاث السابقة إن اضطرابات جسدية لا نشعر بها بوضوح أثناء النوم يمكن أن تظهر لاحقًا في الحلم. على سبيل المثال، رؤية النار في المنام قد تسبق ارتفاع حرارة الجسم والإصابة بالحمى في الواقع.

يضيف نيلسن:

“نعلم أن المشاعر السلبية في حياتنا اليومية تنتقل بسهولة إلى أحلامنا. والأعراض الهضمية الناتجة عن الطعام قد تكون مصدرًا خفيًا لهذه المشاعر السلبية التي تلوّن الأحلام.”


ماذا عن الغلوتين؟

الغريب أن الدراسة لم تجد صلة مباشرة بين عدم تحمل الغلوتين والكوابيس، ربما بسبب قلة عدد المشاركين الذين يعانون هذه الحساسية، أو لأن الغلوتين يسبب أعراضًا جسدية وعاطفية مختلفة عن اللاكتوز.


أسئلة لم تُحسم بعد

رغم النتائج المدهشة، لم يتمكن الباحثون من حسم العلاقة السببية بشكل قاطع. فالسؤال المهم الذي ما زال مفتوحًا:

  • هل ينام الناس نومًا سيئًا لأنهم يتناولون أطعمة أقل جودة؟
  • أم أنهم يلجأون للأطعمة الأقل جودة لأنهم يعانون بالفعل من قلة النوم والضغط العصبي؟

يشير نيلسن إلى احتمال وجود عامل ثالث خفي يؤثر على النظام الغذائي والنوم في آن واحد، مثل التوتر أو قلة الوعي الصحي.


تجارب مستقبلية أكثر دقة

في سبيل التحقق بشكل علمي دقيق، يفكر فريق البحث في تصميم تجربة مثالية تتضمن:

  • تقسيم المشاركين عشوائيًا لمجموعات تتناول أطعمة محددة قبل النوم.
  • تخصيص مجموعة لمنتجات ألبان عادية، وأخرى لمنتجات ألبان خالية من اللاكتوز.
  • جمع بيانات تفصيلية عن الأحلام والكوابيس لكل مجموعة.

من خلال هذه التجربة، سيتمكن الباحثون من معرفة ما إذا كان تأثير الألبان مقصورًا على من يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، أم أنه أوسع نطاقًا.


ماذا يعني هذا لنا؟

رغم أن النتائج لا تعني بالضرورة أن جميع الناس يجب أن يتوقفوا عن تناول الجبن مساءً، لكنها تفتح بابًا مهمًا للتفكير في علاقة طعامنا بنومنا وصحتنا النفسية.

إذا لاحظت أنك ترى أحلامًا مزعجة بشكل متكرر بعد تناول أطعمة معينة، فقد يكون من المفيد:

✅ مراقبة نظامك الغذائي قبل النوم.
✅ تقليل منتجات الألبان إذا كنت تشك أنك تعاني عدم تحمل اللاكتوز.
✅ الحرص على وجبة عشاء خفيفة ومتوازنة.


في النهاية

هذه الدراسة الكندية المهمة تذكرنا بأن الطعام ليس مجرد وقود للجسم، بل هو أيضًا جزء من توازننا النفسي والعصبي، وقد يحدد كيف نقضي ساعات نومنا.

وربما في المرة المقبلة التي تقرر فيها تناول شريحة جبن لذيذة قبل النوم، ستتساءل للحظة:
هل ستقودني هذه اللقمة إلى حلم سعيد… أم كابوس لا يرحم؟

الأحلامالإسهالالضغط العصبيالكوابيساللاكتوز
Comments (0)
Add Comment