فيما اعتاد كثيرون اعتبار الكوابيس مجرد أحلام مزعجة تزول بمجرد الاستيقاظ، تكشف دراسة علمية حديثة عن وجه أخطر لهذه الظاهرة. فقد أظهرت أبحاث جديدة أن الكوابيس لا تؤثر فقط على الراحة النفسية والقدرة على النوم، بل يمكن أن تصبح عاملاً مباشراً يسرّع شيخوخة الخلايا ويزيد احتمالية الوفاة المبكرة بنسبة لافتة.
هذا ما أكده عالم الأعصاب الدكتور أبيديمي أوتايكو من “إمبريال كوليدج لندن“، والذي شارك في هذه الدراسة الضخمة التي تناولت العلاقة بين الأحلام السيئة وطول العمر.
الدماغ النائم لا يميّز بين الحلم والواقع
يوضح الدكتور أوتايكو أن أدمغتنا أثناء النوم عاجزة عن التفرقة بين أحداث الكوابيس والتهديدات الحقيقية. ويقول:
“عندما نحلم بكابوس يثير الخوف أو الصدمة، يتعامل الدماغ مع التجربة وكأنها واقعية تمامًا، فيفرز هرمونات التوتر كالكورتيزول والأدرينالين.”
ومع تكرار هذه الحالة، يصبح الجسم في حالة تأهّب دائم، وهو ما يرتبط بتسارع شيخوخة الأعضاء الحيوية وتلف الخلايا بمرور الوقت.
اختلال النوم يعطّل ترميم الجسم
إضافة إلى ذلك، تلحق الكوابيس ضررًا كبيرًا بجودة النوم ومدته. فالإنسان بحاجة إلى النوم العميق غير المتقطع كي تتم عمليات الترميم والإصلاح للخلايا والأنسجة العصبية.
وبحسب الباحثين، فإن اضطراب النوم المزمن الناتج عن الأحلام السيئة يُضعف كفاءة جهاز المناعة، ويزيد القابلية للإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب وحتى السرطان.
عينة ضخمة تكشف الحقيقة المقلقة
لإثبات هذه العلاقة، حلل فريق الدراسة بيانات أكثر من 183 ألف بالغ تتراوح أعمارهم بين 26 و86 عامًا. وقد شمل البحث سجلات النوم والصحة النفسية والبدنية والعادات اليومية، إضافة إلى عينات بيولوجية لتقييم المؤشرات الدقيقة للشيخوخة.
وكانت المفاجأة أن تكرار الكوابيس ارتبط بشكل واضح بتسارع التقدم في العمر على مستوى الخلايا.
التيلوميرات… مؤشر الشيخوخة البيولوجية
لإعطاء نتائج دقيقة، استخدم العلماء طريقة قياس طول “التيلوميرات” (Telomeres). وهذه التيلوميرات عبارة عن نهايات صغيرة تغلف الكروموسومات وتعمل كغطاء واقٍ يحمي المادة الوراثية عند انقسام الخلايا.
مع التقدم في العمر، تتقلص هذه التيلوميرات تدريجيًا، وكلما قصرت، زاد خطر التعرض للأمراض المزمنة، وتضاءلت القدرة على إصلاح الأنسجة التالفة.
الكوابيس تقصر العمر وتسرّع الشيخوخة
توصل الباحثون إلى نتيجة صادمة: الأشخاص الذين يعانون من الكوابيس الليلية المتكررة لديهم تيلوميرات أقصر بشكل ملحوظ مقارنةً بمن ينامون بهدوء.
وبالأرقام:
🔹 زيادة بنسبة 40% في خطر الموت المبكر.
🔹 الذين يعانون كوابيس أسبوعية كانوا أكثر عرضة للوفاة قبل سن 70 بثلاثة أضعاف.
🔹 تأثير الكوابيس على تسريع الشيخوخة فاق عوامل تقليدية معروفة مثل التدخين، سوء التغذية، أو الخمول.
وكتب الفريق في الدراسة:
“لقد وجدنا أن الكوابيس عامل خطر مستقل وقوي، يؤدي إلى زيادة معدل التوتر البيولوجي والتلف الخلوي بشكل مستمر.”
الكورتيزول: هرمون التوتر القاتل
السبب الأساسي لهذا الضرر يكمن في زيادة مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر الشهير، والذي يفرز بكثافة عند التعرض للخوف أو الضغط النفسي.
يؤدي الكورتيزول المرتفع إلى:
✅ تدهور قدرة الخلايا على التجدد.
✅ ارتفاع ضغط الدم ومشكلات القلب.
✅ ضعف المناعة وسرعة الالتهاب.
ومع الوقت، يتحول التوتر المتكرر أثناء النوم إلى عامل تراكمي يسرّع التآكل الداخلي للجسم.
عوامل الخطر ثابتة رغم الاختلافات الفردية
للتأكد من دقة النتائج، أخذ الفريق في الحسبان عوامل متعددة قد تؤثر على الشيخوخة، مثل الجنس والعمر والحالة النفسية العامة والعرق ومستوى النشاط البدني.
ورغم ذلك، بقيت العلاقة بين الكوابيس والشيخوخة المبكرة ثابتة وغير متأثرة بهذه المتغيرات.
هل يمكن الوقاية من هذا الخطر؟
رغم القلق الذي أثارته الدراسة، يوضح الباحثون أن الوقاية ممكنة، إذا اتبع الإنسان بعض الخطوات العملية لتقليل تواتر الكوابيس وتحسين جودة النوم.
إليك أهم النصائح التي قدمها الفريق البحثي:
🌿 تجنب محفزات الكوابيس:
- الابتعاد عن مشاهدة أفلام الرعب أو الأخبار المزعجة قبل النوم.
- الامتناع عن الأطعمة الثقيلة والمنبهات في المساء.
🧘♂️ إدارة التوتر اليومي:
- ممارسة التأمل أو تمارين التنفس العميق.
- تخصيص وقت للاسترخاء قبل النوم.
🕯️ تهيئة بيئة نوم مريحة:
- الحفاظ على غرفة نوم هادئة ومظلمة.
- ضبط درجة الحرارة المناسبة.
👩⚕️ طلب المساعدة عند الحاجة:
- التحدث مع طبيب نفسي إذا تكررت الكوابيس أو كانت مرتبطة بقلق أو اكتئاب مزمن.
- تجربة العلاج السلوكي المعرفي أو تقنيات إعادة بناء الحلم (Imagery Rehearsal Therapy).
رسالة أمل
يؤكد الدكتور أوتايكو وفريقه أن هذه الدراسة لا تعني أن كل كابوس سيؤدي بالضرورة إلى قصر العمر، بل إن المشكلة تظهر عند تكرار الكوابيس لأسابيع أو شهور.
كما أن الوعي بالمشكلة واتخاذ التدابير المناسبة يمكن أن يحمي صحة الدماغ والقلب على المدى الطويل.