في عصرنا الرقمي، بات الهاتف الذكي جزءًا لا يتجزأ من يومياتنا. نستخدمه للتواصل، العمل، الترفيه، التسوق، وحتى لمتابعة صحتنا. لكن ما لا يدركه كثيرون أن هذا الرفيق الدائم قد يكون مسؤولًا عن مشكلة جمالية مزعجة يواجهها ملايين الأشخاص حول العالم: الذقن المزدوج وترهل الجلد المبكر في منطقة الفك والرقبة.
ربما يظن البعض أن الذقن المزدوج مشكلة مرتبطة فقط بالتقدم في العمر أو زيادة الوزن. لكن الدراسات الحديثة تشير إلى عامل آخر صامت يفاقم هذه الظاهرة: الانحناء المتواصل للرأس عند النظر إلى شاشة الهاتف.
عادة يومية… لكنها تترك آثارًا عميقة
حين تمسك بهاتفك الذكي، كم مرة تنظر للأسفل خلال التصفح أو المراسلة أو مشاهدة مقاطع الفيديو؟ على الأرجح، مئات المرات يوميًا.
هذه الوضعية التي تبدو عادية – حيث ينحني الرأس للأمام بزاوية تتراوح بين 30 و60 درجة – قد تكون أكثر خطورة مما نتوقع على صحة عضلات الرقبة والفك.
تقول دراسة حديثة إن الانحناء المستمر للرأس يؤدي إلى ارتخاء حوالي 20 عضلة صغيرة تقع أسفل اللسان وحول الفك السفلي. مع الوقت، تفقد هذه العضلات قدرتها على دعم الجلد والأنسجة الرخوة في تلك المنطقة، فيظهر الترهل والذقن المزدوج، حتى لدى الشباب.
الذقن المزدوج… ليس دهونًا دائمًا
كثيرون يعتقدون أن الذقن المزدوج يعني بالضرورة وجود تراكم للدهون أو تهدل في الجلد، فيسارعون للبحث عن الحلول الجراحية أو المستحضرات الموضعية.
لكن الأبحاث الحديثة أوضحت أن جزءًا من هذه الكتلة أسفل الذقن ينتج عن ضعف عضلات الرقبة والفك السفلي بسبب الوضعية المنحنية المتكررة.
وتوضح الدراسات أن استمرار هذه الوضعية يتسبب أيضًا بارتخاء العمود الفقري العنقي، مما يفاقم الترهلات ويزيد من تدهور مظهر الفك والرقبة بمرور الوقت.
وجهك ليس بمنأى عن الشاشات
إذا تأملنا وجوهنا، سنلاحظ أن لكل شخص سماته الخاصة من حيث مرونة البشرة، توزيع الدهون، وبنية العظام. ومع ذلك، يتفق خبراء التجميل والجلدية أن العادات اليومية السلبية – وعلى رأسها إدمان الشاشات – تشكل عاملًا مشتركًا يسرّع عملية شيخوخة الوجه.
فيما مضى، كان التقدم في العمر أو التغيرات الهرمونية من الأسباب الرئيسية لظهور التجاعيد والترهل. لكن اليوم، تشير التقديرات إلى أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية قد يكون المسؤول الخفي عن مظاهر الشيخوخة المبكرة، خاصة في منطقة أسفل الوجه.
ما الذي يحدث حين نحدق في هواتفنا؟
يمكن تلخيص المشكلة في ثلاث نقاط رئيسية:
✅ الانحناء المتكرر للرأس يؤدي إلى شد مستمر على العضلات الرقيقة للعنق وقاع الفم، ما يسبب إضعافها تدريجيًا.
✅ إمالة الرأس للأمام تزيد العبء على الفقرات العنقية وتؤدي إلى ارتخاء الأنسجة الداعمة للجلد.
✅ قلة حركة الفك في أثناء الاستخدام المطوّل تضعف التروية الدموية وتقلل مرونة الأنسجة.
ومع مرور الوقت، يجتمع كل ذلك لخلق بيئة مثالية لظهور التجاعيد المبكرة والذقن المزدوج.
تجاعيد الهواتف الذكية… مصطلح جديد لعصر جديد
ربما سمعتَ عن تجاعيد التعبير مثل خطوط الابتسامة أو تجاعيد العبوس. لكن هل سمعتَ عن تجاعيد الهواتف الذكية؟
هذا المصطلح يشير إلى الخطوط الدقيقة والطيات التي تظهر نتيجة الوضعية الثابتة والمتكررة للرأس عند استخدام الهاتف. تبدأ التجاعيد عادة في أسفل الوجه والرقبة، ثم تمتد تدريجيًا نحو الذقن والفك السفلي.
بحسب دراسة نشرتها “الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل”، فإن الجيل الجديد من الشباب بات يلاحظ علامات شيخوخة الوجه في أعمار أصغر بعقد كامل مقارنة بالأجيال السابقة، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى استخدام الأجهزة الذكية لساعات طويلة.
العوامل الأخرى التي تزيد المشكلة سوءًا
صحيح أن الوضعية الخاطئة عند استعمال الهاتف من أهم الأسباب، لكن هناك عوامل إضافية قد تساهم في تفاقم ظهور الذقن المزدوج وتجاعيد الرقبة:
- زيادة الوزن وتراكم الدهون في منطقة الفك
- الوراثة والاستعداد الجيني
- تبدلات الهرمونات مع التقدم في العمر
- التعرض المفرط للشمس من دون حماية
- النظام الغذائي الغني بالدهون والسكريات
ومع اجتماع هذه العوامل مع عادات الجلوس الخاطئة، يصبح ظهور الترهلات والتجاعيد مسألة وقت لا أكثر.
كيف تحمي نفسك من الذقن المزدوج المبكر؟
الخبر السار أنه بإمكانك اتخاذ خطوات بسيطة وفعالة للوقاية من هذه المشكلة وتقليل حدتها:
✅ رفع الهاتف الذكي إلى مستوى العينين أثناء الاستعمال، لتجنب انحناء الرقبة.
✅ إعادة اللسان إلى سقف الحلق بشكل متكرر، مما يساعد على شد عضلات قاع الفم والرقبة.
✅ ممارسة تمارين تقوية عضلات الفك والرقبة، مثل الضغط برأسك برفق للخلف مع شد الذقن.
✅ استخدام وسادة داعمة للعنق أثناء النوم للحفاظ على وضعية سليمة.
✅ تقليل زمن التحديق بالشاشة وأخذ فترات راحة متكررة.
✅ الحرص على ترطيب البشرة واستخدام كريمات الوقاية من الشمس، لأنها تحافظ على مرونتها وتمنع ظهور التجاعيد المبكرة.
هل يمكن التخلص تمامًا من الذقن المزدوج دون جراحة؟
يشير الخبراء إلى أن اعتماد هذه الخطوات قد يساهم في تقليل حدّة الذقن المزدوج بنسبة تصل إلى 80% في الحالات التي يكون سببها ضعف العضلات وليس تراكم الدهون فقط.
أما في الحالات التي تترافق مع سمنة موضعية أو ترهل جلدي كبير، فقد تتطلب بعض الحالات علاجات غير جراحية (مثل الأجهزة التجميلية بتقنية الموجات أو التبريد)، أو حتى تدخلًا جراحيًا عند الضرورة.
تذكير مهم: صحتك أولوية
مع تطور التكنولوجيا، لا يمكننا إنكار فوائد الهواتف الذكية، لكنها تبقى سلاحًا ذا حدين.
إن الحرص على وعينا الكامل أثناء استخدامها، وتعديل عاداتنا اليومية، لا يحمي جمالنا فحسب بل يساهم أيضًا في سلامة العمود الفقري وصحة العضلات والمفاصل على المدى الطويل.
في النهاية، تذكّر دائمًا:
قد يكون الهاتف في يدك، لكن مستقبل وجهك وعنقك أيضًا بين يديك. ببضع خطوات بسيطة ووعي أكبر، يمكنك أن توازن بين استفادتك من التكنولوجيا وحمايتك لجمالك الطبيعي. 🌿✨