في تطور خطير يعكس تعقيدات المشهد الأمني والاجتماعي في قطاع غزة، أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحركة حماس، الأربعاء، منح مهلة محدودة لزعيم عشيرة بدوية مسلحة يُدعى أبو شباب من أجل تسليم نفسه للسلطات والخضوع للمحاكمة، موجهة إليه تهمًا ثقيلة أبرزها الخيانة والتخابر مع جهات خارجية.
يأتي هذا التحرك في وقت بالغ الحساسية، وسط اتهامات متبادلة بين الجماعة المسلحة وحماس حول النفوذ والسيطرة على المساعدات الإنسانية ومناطق النفوذ العشائري، ووسط اتهامات إسرائيلية بأنها تدعم بعض هذه العشائر في إطار استراتيجية تستهدف إضعاف حماس وإثارة الانقسامات الداخلية في غزة.
المحكمة الثورية تصدر القرار
وقالت وزارة الداخلية في بيان رسمي إن القرار صدر عن ما وصفته بـ “المحكمة الثورية”، وهي جهة قضائية تابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية في قطاع غزة.
وجاء في البيان:
“تقرر منح المدعو (أبو شباب) مهلة محددة لتسليم نفسه للقضاء الثوري، على خلفية التهم الموجهة إليه والتي تشمل الخيانة العظمى والتخابر مع أطراف خارجية، وتعريض أمن المجتمع للخطر.”
ويُعتبر اللجوء إلى المحكمة الثورية بمثابة تصعيد لافت، كون هذه المحكمة تختص عادة في ملفات الأمن القومي والتهديدات الخطيرة التي ترى حماس أنها تتجاوز حدود القانون المدني.
محاولة اغتيال سابقة
وكشفت مصادر متعددة لوكالة “رويترز“، من بينها مصدران مقربان من حماس ومصدران مطلعان على الملف، أن الحركة كانت قد أرسلت بالفعل بعضًا من “أفضل عناصرها الأمنية والاستخبارية” في الأسابيع الماضية لمحاولة تصفية أبو شباب جسديًا.
ونقلت المصادر أن تلك المحاولات جاءت بعد فشل مفاوضات استمرت شهورًا لإقناعه بحل جماعته المسلحة أو دمج عناصرها ضمن الأجهزة الأمنية التابعة للحركة، وهي مفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض أبو شباب القاطع التنازل عن استقلالية جماعته.
ويعزز ذلك الانطباع بأن الصدام بين الطرفين لم يعد خلافًا سياسيًا بل تطور إلى صراع مفتوح على الأرض، قد يجر قطاع غزة إلى مزيد من الفوضى الأمنية.
من هو أبو شباب؟
يُعرف أبو شباب، الذي يحيط نفسه بمجموعة كبيرة من المسلحين، بأنه زعيم لإحدى العشائر البدوية ذات النفوذ التاريخي في المناطق الشرقية لقطاع غزة، وهو يقود تشكيلًا مسلحًا أطلق عليه اسم “القوات الشعبية”.
ويؤكد أبو شباب ومؤيدوه أن جماعتهم تأسست لحماية الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزوح، في ظل تكرار حوادث السرقة والنهب خلال الفوضى التي تلت الحرب الأخيرة على غزة.
وفي تصريحات سابقة لـ”رويترز”، قال أبو شباب إن جماعته ليست طرفًا في أي صراع سياسي داخلي، وإن هدفها الوحيد هو حماية أرزاق الناس وتأمين الإغاثة الإنسانية، نافيًا تمامًا أي تواصل مع الجيش الإسرائيلي أو حصوله على أي دعم خارجي.
اتهامات متبادلة
لكن حماس ترى في أبو شباب وتشكيلاته المسلحة تهديدًا مباشرًا لنفوذها وسلطتها، وتتهمه بالتنسيق مع جهات خارجية – في إشارة ضمنية إلى إسرائيل – بهدف تقويض سيطرة الحركة الأمنية على القطاع.
وتذهب الحركة إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن استعراض القوة من جانب العشائر المسلحة هو مشروع مضاد للمقاومة، يُستخدم كورقة ضغط ضدها في لحظة حرجة تشهد ضغوطًا إسرائيلية ودولية غير مسبوقة على غزة.
في المقابل، تتهم جماعة “القوات الشعبية” حماس بممارسة العنف المفرط ضد أي كيانات لا تخضع لها بالكامل، وتكميم أفواه المعارضين من الشخصيات العشائرية، بل واحتكار المساعدات وموارد العيش للموالين لها فقط.
إسرائيل في الخلفية
وتعززت الشكوك بشأن وجود دعم خارجي لبعض الجماعات المسلحة بعد أن صرّحت إسرائيل رسميًا بأنها تدعم بعض العشائر في غزة لمواجهة نفوذ حماس، دون أن تسمي أي جماعة بالاسم.
ويرى مراقبون أن هذه السياسة الإسرائيلية تستند إلى استراتيجية “فرق تسد”، إذ تراهن تل أبيب على توظيف الانقسامات الداخلية في غزة لإضعاف الحركة الإسلامية الحاكمة وإظهارها بمظهر العاجزة عن السيطرة.
وتُثير هذه المساعي مخاوف جدية لدى الجهات الحقوقية والإنسانية من أن يتحول القطاع إلى ساحة صراع داخلي مسلح يضاعف من معاناة المدنيين الذين يعيشون ظروفًا كارثية أصلًا.
مهلة غامضة
ولم يحدد البيان الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية في غزة مدة المهلة الممنوحة لأبو شباب لتسليم نفسه، مكتفيًا بالتأكيد أن الإجراءات القضائية ستتخذ بحقه في حال استمراره في الرفض.
مصادر محلية ترجح أن تكون هذه المهلة قصيرة جدًا – ربما لا تتجاوز أيامًا معدودة – بالنظر إلى أن الوضع على الأرض ينذر بمواجهة عسكرية محتملة إذا لم يرضخ زعيم العشيرة.
وقال أحد المقربين من أبو شباب لوكالة الصحافة الفرنسية، طالبًا عدم نشر اسمه:
“نحن لا نثق في وعود المحاكم الثورية، ونعتبر التهديدات محاولة لتصفية أبو شباب سياسيًا وجسديًا. جماعته مستعدة للدفاع عن نفسها.”
سيناريوهات مفتوحة
يعتقد خبراء الشأن الفلسطيني أن المواجهة بين حماس وهذه العشيرة المسلحة قد تتحول إلى سابقة خطيرة في قطاع غزة، إذ أن السماح بتشكيلات عسكرية خارج السيطرة الأمنية المركزية يهدد بخلق شبكات نفوذ متنافسة ستؤدي لا محالة إلى العنف.
ويقول المحلل السياسي محمود العلي إن النزاع له أبعاد أعمق من مجرد خلاف على شحنات المساعدات:
“هناك تداخل بين الاقتصاد غير الرسمي، وشبكات العشائر، والصراع على الموارد. الفوضى الناجمة عن الحرب خلقت فراغًا تسعى كل جهة إلى ملئه. هذا يفسر لماذا تتهم حماس أبو شباب بالخيانة وتعتبره تهديدًا وجوديًا.”
مواقف حقوقية
من جانبها، دعت منظمات حقوقية فلسطينية ودولية جميع الأطراف إلى تغليب الحوار على السلاح، وحذرت من أن أي صدام داخلي سيؤدي إلى مضاعفة الأعباء على السكان المدنيين.
كما عبّرت عدة منظمات عن قلقها من توسيع نطاق اختصاص المحاكم الثورية، معتبرة أنها تفتقر إلى معايير العدالة والشفافية، وتستخدم في تصفية الخصوم السياسيين تحت غطاء قانوني.
الخلاصة
في الوقت الذي يعاني فيه سكان قطاع غزة من تبعات حرب مدمرة وأزمة إنسانية خانقة، تنذر هذه المواجهة بين حماس والعشائر المسلحة بموجة جديدة من العنف الداخلي، قد تكون لها انعكاسات خطيرة على استقرار القطاع الهش أصلًا.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الساعات والأيام المقبلة، يبقى مستقبل أبو شباب وجماعته مجهولًا بين خيارات محدودة: الاستسلام، المواجهة، أو محاولة الفرار خارج القطاع.