في تطور سياسي لافت، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فوجئ بالقصف الإسرائيلي الأخير الذي استهدف مواقع عسكرية في سوريا، تزامنًا مع تصاعد المواجهات في الجنوب السوري. وجاء هذا التصريح في بيان رسمي أصدرته المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، مساء الإثنين، في ظل توترات متزايدة في المنطقة.
ترامب على اتصال دائم بنتنياهو.. لكنه لم يتوقع التصعيد
قالت ليفيت في المؤتمر الصحفي إن الرئيس ترامب كان على تواصل منتظم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدة أنهما يتمتعان بـ”علاقة عمل قوية”. إلا أن الهجوم الإسرائيلي على الأراضي السورية، وبشكل خاص قصف كنيسة كاثوليكية في غزة، كان مفاجئًا بالنسبة له، ولم يتم التنسيق بشأنه مسبقًا مع البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية.
وأضافت أن الرئيس الأميركي “تحرك بسرعة” بعد وقوع الهجمات، حيث أجرى اتصالًا مباشرًا مع نتنياهو بهدف “تصحيح المسار” واحتواء الموقف. وأشارت إلى أن وزير الخارجية ماركو روبيو تدخّل لاحقًا في الملف السوري، ولعب دورًا أساسيًا في خفض التصعيد.
موقف واشنطن: غارات إسرائيلية في توقيت حساس
في السياق نفسه، انتقد توم باراك، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، الهجوم الإسرائيلي الأخير واصفًا إياه بـ”التدخل غير المبرر“، واعتبر أنه “أتى في توقيت سيء للغاية”. وفي مقابلة خاصة مع وكالة أسوشيتد برس، أبدى باراك استغرابه من القرار الإسرائيلي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة “لم تُستشَر ولم تُبلغ مسبقًا بأي عملية عسكرية”.
وأوضح أن هذه الضربات جاءت في وقت كانت فيه واشنطن تعمل بشكل مكثف على دعم الحكومة السورية الجديدة، بعد أكثر من أسبوع من الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء، والتي تمثل مركزًا رئيسيًا للطائفة الدرزية في سوريا.
إسرائيل تقصف مواقع في السويداء ودمشق.. تحت ذريعة دعم الدروز
وكانت إسرائيل قد نفّذت خلال الأيام الماضية عدة غارات جوية استهدفت قوافل للقوات الحكومية السورية في محافظة السويداء، بالإضافة إلى ضرب مقر وزارة الدفاع في دمشق، في خطوة وصفتها تل أبيب بأنها “دعم لأبناء الطائفة الدرزية”، على خلفية الاشتباكات الأخيرة.
اقرأ أيضاً: اشتباكات دروز وعشائر بدوية تفتك بالسويداء: تحولات ميدانية تُرسم مشهداً دمويًا جديدًا
وبحسب تقارير إعلامية، فإن القصف أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش السوري، إضافة إلى أضرار جسيمة في البنية التحتية العسكرية.
دعم أميركي للحكومة السورية الجديدة.. ولا خطة بديلة
أكد المبعوث الأميركي إلى سوريا أن بلاده تدعم بشكل كامل الحكومة السورية الجديدة، معتبرًا أنها “تُشكل خطوة ضرورية نحو إعادة توحيد البلاد”. وقال في تصريحاته لوكالة “أسوشيتد برس” إن الولايات المتحدة لا تمتلك خطة بديلة، وإنها ترى في السلطة الحالية شريكًا محوريًا لتحقيق الاستقرار في سوريا.
وأشار باراك إلى أن القيادة السورية “أظهرت قدرًا من المسؤولية رغم التحديات”، مضيفًا أن على دمشق أن “تتحمل مسؤولية الانتهاكات التي وقعت مؤخرًا في الجنوب السوري”، خاصة تلك التي ارتكبتها الفصائل الموالية لها ضد المدنيين.
واشنطن: قصف إسرائيل عقد الوضع ميدانيًا وسياسيًا
من جانب آخر، أكد باراك أن التدخل الإسرائيلي تسبب في “تعقيد إضافي” على المشهد السوري، في وقت كانت فيه الجهود الدبلوماسية تتركز على خفض التصعيد وإطلاق حوار بين الحكومة والمعارضة في الجنوب.
ولفت إلى أن القصف الإسرائيلي “جاء في لحظة تفاوض حساسة”، وأنه “فتح بابًا جديدًا من التوتر الإقليمي”، محذرًا من أن استمرار مثل هذه العمليات قد يقوض التقدم المحرز على الصعيدين السياسي والميداني.
خلافات حول مستقبل الجنوب السوري
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن الحكومة السورية كانت قد بدأت محادثات أمنية مباشرة مع إسرائيل، بوساطة من إدارة ترامب، قبل اندلاع الأحداث الأخيرة. وكان محور الخلاف هو مستقبل الجنوب السوري، حيث طالبت تل أبيب بتحويل المنطقة إلى منطقة منزوعة السلاح، وهو ما رفضته دمشق بشكل قاطع، معتبرة أنه انتهاك لسيادتها.
هذا الرفض فجر الأزمة وأدى إلى انهيار المفاوضات، الأمر الذي قد يكون أحد الدوافع غير المعلنة للتصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير، بحسب بعض المحللين.
ردود فعل دولية حذرة
حتى الآن، لم يصدر رد رسمي من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بشأن الضربات، في حين دعت منظمة العفو الدولية إلى فتح تحقيق عاجل في قصف الكنيسة الكاثوليكية في غزة، الذي اعتبرته “اعتداءً على منشأة دينية محمية بموجب القانون الدولي”.
وفي موسكو، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا مقتضبًا أعربت فيه عن “قلقها من التصعيد الإسرائيلي في سوريا”، داعية جميع الأطراف إلى “ضبط النفس” والعودة إلى طاولة المفاوضات.
خاتمة: هل نشهد تغييرًا في مواقف واشنطن تجاه الملف السوري؟
تُظهر التصريحات الأخيرة للبيت الأبيض ومبعوثه إلى سوريا تغيرًا تدريجيًا في مواقف واشنطن تجاه الملف السوري، خصوصًا مع الاعتراف الضمني بالحكومة السورية الجديدة كشريك محتمل. كما أن انتقاد الولايات المتحدة العلني لتوقيت القصف الإسرائيلي يشير إلى فتور غير معلن في التنسيق بين الحليفين، لا سيما في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة.
في هذا السياق، يبقى المشهد السوري مفتوحًا على احتمالات متعددة، أبرزها استمرار النزاع الإقليمي بالوكالة، أو تحريك جهود الحل السياسي مجددًا بدعم دولي متوازن. ويبقى السؤال: هل ستعيد إسرائيل حساباتها، أم تمضي في خططها الانفرادية دون الرجوع إلى شركائها؟