في السابق، كان على زائر العاصمة الإماراتية أبوظبي أن يعبر حدودًا دولية لزيارة متحفي اللوفر وجوجنهايم في اليوم ذاته. أما اليوم، ومع اقتراب اكتمال المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات بحلول نهاية العام، سيصبح من الممكن الانتقال بين هذه الصروح سيرًا على الأقدام في تجربة فريدة لا مثيل لها في العالم العربي.
قلب نابض بالثقافة والفنون على جزيرة السعديات
تحتضن المنطقة الثقافية في السعديات مجموعة من أبرز المؤسسات الفنية والثقافية العالمية، أبرزها فرعا متحفي اللوفر وجوجنهايم، إضافة إلى صرح علمي فريد هو متحف التاريخ الطبيعي، ومساحة للفنون الرقمية التفاعلية تحت عنوان “تيم لاب فينومينا”، إلى جانب متحف زايد الوطني الذي يروي فصول التاريخ الإماراتي.
وأكد محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، أن ما يميز هذا المشروع ليس فقط جودة المتاحف، بل قربها المكاني من بعضها البعض، ما يُتيح تجربة ثقافية شاملة ونادرة في العالم.
وأضاف أن المشروع يختبر حاليًا “ممرات باردة” تعتمد على تقنيات تظليل طبيعية، تسهّل تنقل الزوار سيرًا بين المتاحف في الأجواء الحارة، ما يعزز مفهوم الاستدامة ويضيف لمسة إنسانية لتجربة الزائر.
استثمار ثقافي بمليارات الدولارات وتصاميم عالمية
تبلغ مساحة المشروع 2.43 كيلومتر مربع، وتُقدر تكلفته بمليارات الدولارات، ليُصنّف ضمن أكبر الاستثمارات الثقافية على مستوى العالم. ويُشارك في تصميم مؤسساته عدد من أبرز المعماريين العالميين، مثل جان نوفيل، وفرانك جيري، ونورمان فوستر، ما يمنح المنطقة بعدًا جماليًا فريدًا يضاهي محتواها الفني.
ويصف الدكتور بيتر ماجي، مدير متحف زايد الوطني، هذه المنطقة بأنها “كوكبة من النجوم” تُضيء سماء الثقافة والفن في المنطقة، مشيرًا إلى أنها ستُحدث نقلة نوعية في المشهد الثقافي الإماراتي.
خلافات وتحديات.. ثم انطلاقة
رغم انطلاق المشروع في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، إلا أنه واجه بعض التحديات، أبرزها انتقادات منظمة “هيومن رايتس ووتش” حول أوضاع العمالة، وهو ما نفته الجهات الرسمية الإماراتية. كما أثار البعض تساؤلات حول مدى توافق القيم الفنية الغربية مع قوانين الرقابة المحلية، لكن أبوظبي مضت قُدمًا في بناء مشروعها الثقافي الطموح.
اقرأ أيضاً: جزيرة القطط في اليابان.. أغرب مكان على وجه الأرض حيث تفوق القطط عدد البشر
وجهة عالمية على غرار برلين وهونغ كونغ
تطمح أبوظبي لأن تصبح المنطقة الثقافية الجديدة وجهة عالمية رائدة، تقارن بمنطقة “ويست كولون” الثقافية في هونغ كونغ التي تمتد على 40 هكتارًا، و”جزيرة المتاحف” الشهيرة في برلين التي تشغل مساحة 8.6 هكتارات. وبمساحة تفوق 1.7 مليون قدم مربع موزعة على خمس مؤسسات كبرى، تقترب الإمارة من تحقيق هذا الطموح.
وفيما يلي نظرة على أبرز المؤسسات الثقافية في المنطقة:
أبرز معالم المنطقة الثقافية في السعديات
متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي
يسرد هذا المتحف العلمي الضخم قصة الكون عبر 13.8 مليار سنة من التاريخ، ويضم مركزًا متقدمًا للأبحاث العلمية. عند افتتاحه المرتقب في نهاية 2025، سيكون الأكبر من نوعه في المنطقة، بمساحة 35,000 متر مربع.
ومن أبرز معروضاته: الهيكل العظمي الشهير للديناصور “ستان” من نوع “تيرانوصور”، والذي تم شراؤه مقابل 31.8 مليون دولار، إضافة إلى نيزك “مورشيسون” الذي يحتوي على مركبات عضوية فريدة، و”حبيبات ما قبل الشمس” التي تُعد من أقدم المواد المكتشفة على الأرض.
متحف زايد الوطني
يحمل المتحف اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات. صمّمته شركة “فوستر + بارتنرز”، ويضم ست قاعات داخلية دائمة، تستعرض التاريخ الثقافي والاجتماعي لدولة الإمارات.
ومن المقرر افتتاحه في أواخر عام 2025، ليأخذ الزوار في رحلة عبر 300,000 عام من تطوّر الإمارات، من الحياة الصحراوية للبدو، إلى التحولات الكبرى التي جعلت من الإمارات مركزًا عالميًا للتجارة.
متحف اللوفر أبوظبي
أول فرع دولي لمتحف اللوفر الفرنسي خارج باريس، افتُتح في 2017، ويضم 23 قاعة عرض تحتوي على مجموعة واسعة من الأعمال الفنية التي تعبر عن حضارات العالم، بدءًا من الآثار المصرية القديمة، إلى لوحات عصر النهضة الإيطالية، ووصولًا إلى الفن المعاصر.
ويضم المتحف أيضًا قطعًا نادرة من الشرق الأوسط، منها سوار ذهبي عمره ثلاثة آلاف عام، وأقدم صورة فوتوغرافية معروفة لامرأة مسلمة محجّبة. وقد صممه المعماري جان نوفيل بقبة هندسية مستلهمة من العمارة الإسلامية، أصبحت رمزًا بصريًا للثقافة في أبوظبي.
متحف جوجنهايم أبوظبي
بعد نجاحه في نيويورك وبلباو والبندقية، يصل متحف جوجنهايم إلى العاصمة الإماراتية قريبًا. يركّز المتحف الجديد على الفن المعاصر منذ ستينيات القرن الماضي، مع اهتمام خاص بفنون غرب آسيا وشمال إفريقيا وجنوب آسيا.
المبنى التجريبي من تصميم المعماري الأمريكي الشهير فرانك جيري، ومن المتوقع افتتاحه في نهاية 2025. كما سيستضيف المتحف أعمالًا فنية حصرية لفنانين يتم تكليفهم خصيصًا، ما يعزز دوره كمركز للإبداع والابتكار الفني.
“تيم لاب فينومينا” أبوظبي
تمثل هذه التجربة اليابانية المبتكرة تمازجًا بين الفن، والتكنولوجيا، والعلم، وهي الأولى من نوعها في المنطقة. صمم المبنى على هيئة سحابة فنية بمساحة 17,000 متر مربع، بالتعاون مع شركة “MZ Architects” الإماراتية.
ويضم المعرض 25 تجربة تفاعلية، منها “عوالم صغيرة عائمة”، حيث تطفو منحوتات بيضاوية في مياه ضحلة، وتستجيب لحركة الزوار بالألوان والأصوات، لتقدم تجربة حسية فريدة من نوعها.
خاتمة
بين طموح معماري، وإبداع ثقافي، ورؤية سياحية عالمية، تستعد أبوظبي لافتتاح أحد أبرز المشاريع الثقافية في العالم الحديث. وعبر منطقة السعديات الثقافية، ترسم الإمارة ملامح مستقبلٍ تُصبح فيه الثقافة أداةً للحوار الحضاري والانفتاح العالمي.