تايلاند وإندونيسيا ترتقيان بعلاقاتهما إلى “شراكة استراتيجية” تشمل التجارة والدفاع والاستثمار
في خطوة دبلوماسية واقتصادية لافتة، أعلنت تايلاند وإندونيسيا اليوم الاثنين عن ترقية العلاقات الثنائية بينهما إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة، وذلك في أعقاب زيارة رسمية قام بها الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى بانكوك، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقدين.
تأتي هذه المبادرة في سياق الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعكس رغبة الطرفين في توسيع أطر التعاون الثنائي لتشمل المجالات الحيوية، وعلى رأسها التجارة، الاستثمار، السياحة، الأمن الغذائي، والصناعات الدفاعية.
لقاء قمة: رؤية جديدة للتعاون الثنائي
استقبلت رئيسة وزراء تايلاند بايتونجتارن شيناواترا، الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو في مقر الحكومة التايلاندية بالعاصمة بانكوك. ووفقاً لوكالة “أسوشيتد برس“، فقد جرت المحادثات في أجواء وُصفت بالإيجابية، وشهدت توافقاً كبيراً في وجهات النظر حول ضرورة بناء علاقة متينة طويلة الأمد ترتكز على التكامل الاقتصادي والأمن الإقليمي.
وأكدت رئيسة الوزراء التايلاندية في بيان رسمي أن ترقية العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية “تعكس التزام الدولتين بتعزيز التعاون المشترك بما يخدم مصالح الشعبين ويواكب التحولات الإقليمية والدولية”.
أجندة اقتصادية طموحة: تعزيز التجارة والاستثمار
الشق الاقتصادي كان حاضراً بقوة في البيان المشترك، حيث اتفق الجانبان على تعزيز التبادل التجاري والاستثمار الثنائي، وفتح قنوات جديدة للشراكة في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والصناعات الغذائية والتكنولوجية.
وتسعى الدولتان إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري الذي بلغ قرابة 22 مليار دولار في عام 2023، من خلال إزالة الحواجز الجمركية، وتسهيل حركة رجال الأعمال، وتوقيع اتفاقيات شراكة جديدة في مجال المناطق الصناعية المشتركة.
أمن غذائي وسياحة مستدامة
أولت المحادثات أهمية خاصة لقضية الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، حيث اتفق الطرفان على تطوير مبادرات مشتركة لضمان استدامة إنتاج الغذاء وتصديره.
كما تم الاتفاق على تعزيز التعاون في قطاع السياحة المستدامة، من خلال تفعيل برامج التبادل الثقافي، وتقديم تسهيلات تأشيرات الدخول، وتعزيز ربط الوجهات السياحية عبر خطوط الطيران المباشرة، في محاولة لاستعادة زخم قطاع السياحة بعد التحديات التي فرضتها جائحة كورونا.

محور دفاعي متصاعد: التعاون الأمني والعسكري
إضافة إلى الملفات الاقتصادية، حظي الجانب الدفاعي بنقاش معمّق بين الجانبين، حيث أعلن الرئيس الإندونيسي أنه بحث مع نظيرته التايلاندية سبل تعزيز التعاون العسكري، لا سيما في الأمن البحري ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني.
وقال برابوو سوبيانتو في خطابه: “اتفقنا على زيادة التدريبات العسكرية المشتركة وتوسيع الشراكات في صناعة الدفاع، بما يشمل التعاون في إنتاج معدات عسكرية وتبادل الخبرات التقنية.”
صناعة الدفاع: شراكة محتملة في التصنيع العسكري
تمثل صناعة الدفاع مجالًا واعدًا للتعاون بين البلدين، حيث تمتلك إندونيسيا قاعدة صناعية عسكرية متقدمة نسبياً، فيما تسعى تايلاند إلى تطوير قدراتها في هذا المجال لتقليل اعتمادها على الواردات الغربية.
وبحسب خبراء في الشؤون العسكرية، فإن الشراكة في الصناعات الدفاعية بين تايلاند وإندونيسيا قد تمهد الطريق لإنشاء مجمع صناعي عسكري إقليمي، يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي ويُعزز استقلال القرار الدفاعي في منطقة جنوب شرق آسيا.
تحالفات آسيوية جديدة: دور الشراكة في مواجهة التحديات الإقليمية
تشير ترقية العلاقة بين تايلاند وإندونيسيا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية إلى إدراك متزايد لدى دول جنوب شرق آسيا بضرورة تعزيز التكامل الإقليمي لمواجهة التحديات العالمية، من بينها الضغوط الجيوسياسية والحرب التجارية بين القوى الكبرى، وتقلبات الاقتصاد العالمي.
وتسعى الدولتان، من خلال هذه الشراكة، إلى لعب دور أكبر في صياغة سياسات “آسيان”، وتحقيق قدر من التوازن في العلاقات مع الولايات المتحدة والصين، خصوصاً أن البلدين يتمتعان بموقع استراتيجي حيوي في قلب الممرات التجارية الدولية.
الدور الاقتصادي الإقليمي: رافعة للنمو المستدام
يُتوقع أن تسهم الشراكة الاستراتيجية بين إندونيسيا وتايلاند في خلق تكتل اقتصادي جديد قادر على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة، خاصة في ظل سعي الشركات العالمية إلى تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الاعتماد المفرط على الصين.
ويقول محللون اقتصاديون إن التعاون الثنائي قد ينتج عنه تكامل اقتصادي في قطاعات مثل الرقمنة، الزراعة الذكية، الطاقة النظيفة، والخدمات اللوجستية، مما يدعم النمو الاقتصادي طويل الأمد في البلدين ويمنح المنطقة ثقلاً إضافياً في الاقتصاد العالمي.
خاتمة: شراكة لا تقف عند حدود المصالح
تُجسد الشراكة الاستراتيجية بين إندونيسيا وتايلاند تطورًا لافتًا في العلاقات الآسيوية، وتعبّر عن نموذج جديد من التحالفات التي لا تقتصر على المصالح الاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل الأمن، التكنولوجيا، الدفاع، والاستدامة.
ومع تعاظم التحديات العالمية، يبدو أن هذا النموذج من التعاون المتعدد الأبعاد سيكون محوريًا في صياغة مستقبل المنطقة، ومن المرجح أن تلحق به دول أخرى في آسيان تبحث عن تعزيز تموضعها الإقليمي والدولي.