رئيس وزراء اليابان: الوضع المالي أسوأ من اليونان وتحذير من خفض الضرائب وسط ضغوط داخلية

0 4

أطلق رئيس الوزراء الياباني، شيجيرو إيشيبا، تصريحات حادة ومثيرة للجدل أمام البرلمان الياباني صباح اليوم الإثنين، حين شبّه الوضع المالي لبلاده بأنه أسوأ من الوضع الذي واجهته اليونان خلال أزمتها المالية الخانقة. كما رفض بشكل قاطع الدعوات المتزايدة من أحزاب المعارضة لخفض الضرائب، محذرًا من مغبة التوسع في الإنفاق أو اللجوء إلى إصدار سندات حكومية لتغطية العجز.

تصريحات إيشيبا تأتي في توقيت حساس، إذ تتجه اليابان إلى انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو المقبل، بينما يواجه رئيس الوزراء ضغوطًا متزايدة من خصومه السياسيين ومطالب شعبية واسعة بتخفيف العبء الضريبي على المواطنين في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكلفة المعيشة.

تحذير صارم: لا للتمويل عبر السندات الحكومية

قال إيشيبا، في كلمة ألقاها أمام البرلمان، إنه يرفض بشدة المقترح القائل بتمويل التخفيضات الضريبية عبر إصدار سندات حكومية جديدة. وأضاف: “لا نتفق مع فكرة خفض الضرائب وتغطية النقص الناتج عن ذلك في الإيرادات من خلال إصدار سندات حكومية. هذه سياسة غير مسؤولة من الناحية المالية، وقد تقودنا إلى أزمة هيكلية شبيهة بتلك التي واجهتها اليونان قبل أكثر من عقد”.

وأشار إلى أن الحكومة اليابانية يجب أن تتوخى الحذر الشديد في سياساتها المالية، خاصة في ظل بيئة عالمية تشهد ارتفاعًا تدريجيًا في أسعار الفائدة، وهو ما يزيد من تكاليف الاقتراض الحكومي ويرفع فاتورة خدمة الدين العام.

تداعيات رفع الفائدة: عبء مزدوج على الاقتصاد الياباني

وكان بنك اليابان قد تخلى رسميًا العام الماضي عن سياسة أسعار الفائدة السلبية التي تبناها لعقود، في محاولة لمكافحة الانكماش وتحفيز الإنفاق، لكنه بدأ تدريجيًا في رفع أسعار الفائدة تماشيًا مع الاتجاه العالمي. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع عائدات السندات الحكومية اليابانية، وبالتالي زيادة الأعباء المالية على الموازنة العامة.

وأكد إيشيبا في خطابه أن الحكومة لا تملك حاليًا مساحة كافية لتعليق سياساتها على متغيرات أسعار الفائدة العالمية، لكنه أشار صراحة إلى أن اليابان “تواجه واقعًا مريرًا في عالم يعاني من ارتفاع معدلات الفائدة”، ما يعني أن تمويل أي تخفيضات ضريبية سيكون عبئًا إضافيًا لا يمكن تحمله على المدى القريب.

أزمة ديون اليابان: الصورة الكاملة

تُعد اليابان من أكثر الدول مديونية في العالم المتقدم، حيث تتجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 260%، وهي النسبة الأعلى بين اقتصادات الدول الصناعية الكبرى. وتُخصص الحكومة اليابانية سنويًا أكثر من 20% من ميزانيتها لسداد الفوائد وخدمة الديون، ما يقيّد قدرتها على التحرك المالي في مواجهة الأزمات.

ورغم أن غالبية هذه الديون مقومة بالين الياباني ومملوكة من قبل مؤسسات داخلية، ما يحد من مخاطر انهيار السوق، إلا أن استمرار الاعتماد على إصدار سندات جديدة لتمويل العجز يشكل خطرًا متزايدًا على المدى الطويل، خاصة إذا تزامن مع تباطؤ في النمو الاقتصادي أو ارتفاعات متتالية في الفائدة.

ضغوط سياسية قبيل انتخابات الشيوخ

في ظل اقتراب موعد انتخابات مجلس الشيوخ، يتعرض إيشيبا لضغوط قوية من أحزاب المعارضة التي تطالب بتخفيف الضرائب، خاصة ضريبة الاستهلاك التي تبلغ حاليًا 10%. ويُنظر إلى هذه الضريبة باعتبارها عبئًا مباشرا على المستهلكين، خصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار العالمية وانخفاض القوة الشرائية للين الياباني.

لكن رئيس الوزراء بدا حاسمًا في رفضه لهذه الضغوط، وقال إن “خفض الضرائب قد يبدو قرارًا شعبويًا قصير المدى، لكنه سيقودنا إلى أزمة مالية أعمق في المستقبل”. وأضاف أن واجب الحكومة اليوم هو الحفاظ على الاستقرار المالي، وليس تحقيق مكاسب انتخابية مؤقتة.

تقييم الأسواق والمستثمرين: الحذر يسيطر

قابلت الأسواق المالية اليابانية تصريحات إيشيبا بمزيج من الترقب والقلق، حيث سجل مؤشر “نيكاي 225” تراجعًا طفيفًا مع نهاية جلسة اليوم، وسط مخاوف من تشدد مالي قد يبطئ وتيرة التعافي الاقتصادي بعد سنوات من السياسات النقدية الميسرة.

وقال محللون في مجموعة “ميتسوبيشي يو إف جي فايننشال” إن خطاب رئيس الوزراء يشير إلى توجه نحو تقشف مالي نسبي، وهو ما قد يُربك الأسواق ويؤثر على معنويات المستثمرين، خاصة في القطاعات المعتمدة على الإنفاق الحكومي.

وفي المقابل، رحبت بعض المؤسسات المالية الدولية بهذا الموقف المتشدد، واعتبرته خطوة إيجابية نحو إعادة الانضباط المالي في ثالث أكبر اقتصاد عالمي، مما قد يعزز ثقة المستثمرين الأجانب في الدين الياباني.

خلاصة: بين الواقعية الاقتصادية والتحديات السياسية

تكشف تصريحات إيشيبا عن نهج واقعي صارم تجاه إدارة الشؤون المالية للدولة، قائم على مبدأ أن الانضباط المالي أولاً، ثم تأتي السياسات التوسعية. ورغم أن هذا الموقف قد يكلفه بعض النقاط في استطلاعات الرأي، إلا أنه يُعد ضرورياً لتفادي سيناريوهات مشابهة لأزمات الديون في جنوب أوروبا.

ومع دخول اليابان في فترة انتخابية حساسة، سيتعين على رئيس الوزراء الموازنة بين ضرورة الإصلاح المالي وضغوط الشارع، وبين مطالب النمو الاقتصادي وقيود الواقع المالي الصعب. فهل سينجح إيشيبا في تحقيق هذه المعادلة المعقدة دون أن يدفع الاقتصاد الياباني ثمنًا سياسيًا باهظًا؟

تعليقات
Loading...