مشروع ترامب الضريبي يخطو أولى خطواته وسط عوائق سياسية واقتصادية مرتقبة
وافقت لجنة الميزانية في مجلس النواب الأميركي، في وقت متأخر من مساء الأحد، على مشروع الحزمة الضريبية والإنفاقية الضخمة المقدّمة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد مفاوضات ماراثونية استمرت على مدار عطلة نهاية الأسبوع، انتهت بإقناع أربعة من أعضاء اللجنة بالامتناع عن التصويت، مما أتاح تمرير المشروع بفارق ضئيل.
ويُعد هذا المشروع أحد أبرز البنود في أجندة ترامب الاقتصادية التي يسعى إلى فرضها مجددًا على الساحة السياسية الأميركية، تمهيدًا لتعزيز موقفه قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن رغم هذه الخطوة الأولى في مجلس النواب، تشير التوقعات إلى أن المشروع سيواجه تحديات وعقبات كبيرة في مجلس الشيوخ، خاصة في ظل الاعتراضات المتزايدة على بعض بنوده المثيرة للجدل.
خلفية المشروع: إعادة إحياء “المعجزة الاقتصادية” لترامب
يتضمن المشروع الضريبي المقترح حزمة من التعديلات الجذرية، أبرزها تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت خلال ولاية ترامب الأولى، والتي كانت قد خفضت الضرائب على الشركات الكبرى والأفراد ذوي الدخول المرتفعة، بحجة تحفيز النمو والاستثمار. كما يتضمن المشروع خفضًا واسع النطاق في الإنفاق الحكومي، يشمل قطاعات حيوية أبرزها برنامج الرعاية الصحية Medicaid، مما أثار انتقادات واسعة من الديمقراطيين وحتى بعض الجمهوريين المعتدلين.
ويصف ترامب هذا المشروع بأنه “مشروع قانون واحد كبير وجميل”، يجمع بين إعادة هيكلة النظام الضريبي وخفض عجز الميزانية الفيدرالية. ويرى أن تخفيف العبء الضريبي عن الشركات سيخلق وظائف ويعيد الاستثمارات إلى الداخل الأميركي، خاصة في الصناعات التحويلية والطاقة.

معارضة سياسية وقلق اجتماعي
رغم تمرير المشروع على مستوى لجنة الميزانية، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً وشائكًا، حيث تشير التقديرات إلى وجود معارضة قوية داخل مجلس الشيوخ، ليس فقط من الديمقراطيين، بل من بعض الجمهوريين الذين يتحفظون على تأثير المشروع على الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود.
ويُذكر أن لجنة المالية في الكونغرس فشلت قبل يومين فقط في تمرير مشروع قانون مماثل بسبب الانقسامات الحادة، ما يمثل انتكاسة لسياسات ترامب الداخلية. ووفق وكالة “فرانس برس“، فإن المنافسة الشديدة بين الجمهوريين أنفسهم تعيق التوصل إلى صيغة توافقية، حيث يسعى كل جناح إلى فرض رؤيته الخاصة للإصلاح الاقتصادي.
التداعيات الاقتصادية: هل يدفع الفقراء ثمن “الحلم الضريبي”؟
أثار المشروع موجة من الجدل في الأوساط الاقتصادية، حيث حذر خبراء من أن خفض الإنفاق الحكومي على برامج الدعم الاجتماعي، خصوصًا Medicaid، قد يؤدي إلى حرمان ملايين الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض من الخدمات الصحية الأساسية.
ويقول الخبير الاقتصادي الأميركي ديفيد شتاين في تصريح : “المعادلة التي يطرحها ترامب تتمثل في خفض الضرائب عن الأغنياء والشركات مقابل تقليص الإنفاق على الفقراء، وهذه معادلة غير مستدامة على المستوى الاجتماعي والسياسي. فالنمو لا يتحقق فقط بتخفيف الضرائب، بل يتطلب استثمارًا في رأس المال البشري والبنية التحتية”.
في المقابل، يرى أنصار ترامب أن المشروع سيحفز النمو طويل الأجل، من خلال توفير بيئة جاذبة للاستثمار، وإعادة تنشيط السوق الأميركي في مواجهة التباطؤ العالمي والتحديات الاقتصادية مع الصين وأوروبا.
سوق المال تراقب: تفاؤل حذر وتحركات حذرة
شهدت الأسواق المالية الأميركية استجابة متباينة مع الأنباء عن تمرير المشروع في لجنة الميزانية، حيث سجلت مؤشرات بورصة وول ستريت ارتفاعات طفيفة في جلسة الافتتاح يوم الإثنين، لكنها سرعان ما عادت إلى التذبذب مع ازدياد التوقعات بصعوبة تمرير القانون بشكل نهائي.
ويرى محللون في بنك “غولدمان ساكس” أن أي إصلاح ضريبي بهذا الحجم يجب أن يُنظر إليه ضمن سياق العجز الفيدرالي، والذي تجاوز عتبة 1.7 تريليون دولار خلال العام المالي الجاري. ويؤكدون أن تمرير مثل هذا المشروع دون مصادر تمويل واضحة، قد يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
ترامب ومجلس الشيوخ: معركة توازنات
من المتوقع أن تُعرض نسخة المشروع على مجلس النواب بكامل هيئته خلال الأسبوع المقبل، وسط حالة من الشد والجذب داخل الحزب الجمهوري. وفي حال نجح في اجتياز مجلس النواب، فإن التحدي الأكبر سيكون في مجلس الشيوخ، حيث يتمتع الديمقراطيون بنفوذ واسع قد يعرقل تمرير المشروع أو يفرض تعديلات جذرية عليه.
وتسود حالة من الترقب في الأوساط الاقتصادية حول الكيفية التي سيتعامل بها الكونغرس مع بنود الإنفاق المرتبط ببرامج الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم، والتي قد يُعاد النظر فيها تحت ضغط المعارضة.
خلاصة: المشروع بين الطموح السياسي والمخاطر الاقتصادية
يمثل مشروع ترامب الضريبي محاولة لإعادة إحياء رؤيته الاقتصادية المثيرة للجدل، القائمة على تحفيز النمو عبر تخفيف الضرائب وتقليص دور الدولة في الإنفاق الاجتماعي. وبينما يلقى هذا الطرح دعمًا من قطاعات واسعة في مجتمع الأعمال، فإنه يثير في المقابل مخاوف حقيقية بشأن العدالة الاجتماعية والاستقرار المالي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، من الواضح أن الصراع حول هذا المشروع لن يكون اقتصاديًا فقط، بل سيكون جزءًا من معركة سياسية شاملة على مستقبل النموذج الاقتصادي الأميركي، بين من يراه قائمًا على السوق الحرة، ومن يؤمن بأن الدولة لا تزال تلعب دورًا جوهريًا في حماية الفئات الأضعف وتعزيز التنمية المتوازنة.