شركات السيارات تتسابق لتأمين بدائل للمعادن النادرة وسط القيود الصينية المشددة
تسابق شركات السيارات العالمية الزمن في مسعى لتأمين بدائل موثوقة للمعادن النادرة، بعدما شددت الصين قيودها على تصدير هذه المواد الحيوية، مما أثار مخاوف جدية من توقف سلاسل التوريد وخطوط الإنتاج، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة.
مرسيدس وبورشه في صدارة المتأهبين لأزمة الإمدادات
برزت كل من مرسيدس-بنز وبورشه في طليعة الشركات التي تتحرك بسرعة لتأمين مصادر بديلة للمعادن النادرة خارج الصين، في ظل القلق المتزايد من أن المخزونات الحالية لن تكفي إلا لأسابيع أو أشهر قليلة. وقد بدأ مصنعو السيارات في طلب كميات إضافية من المغناطيسات النادرة، التي تُعد عنصرًا محوريًا في محركات السيارات الكهربائية والهجينة.
وبحسب تصريحات فرانك إيكارد، الرئيس التنفيذي لشركة ماغنوسفير الألمانية المتخصصة في صناعة المغناطيسات، فإن بعض الشركات، من بينها بورشه، أبدت قلقًا من حدوث توقفات وشيكة في الإنتاج بحلول منتصف يوليو إذا لم تُعالج الأزمة سريعًا.
الصين تلوّح بالقوة الاقتصادية عبر قيود التصدير
تُسيطر الصين على أكثر من 85% من عمليات التكرير والإنتاج للمعادن النادرة عالميًا. وفي أبريل الماضي، فرضت بكين قيودًا جديدة على تصدير هذه المواد، في خطوة اعتُبرت ردًا على التصعيد الأمريكي في الحرب التجارية. وقد صعّدت هذه الإجراءات المخاوف في أوساط الصناعة، خاصة أن معظم المغناطيسات الدائمة تُصنّع في آسيا.
اتجاه أوروبي نحو تنويع سلاسل التوريد
استجابة لهذه التطورات، دخلت مرسيدس في مفاوضات مع شركة رينبو رير إيرثس البريطانية، لتأمين الإمدادات المستقبلية من منجمها في جنوب أفريقيا. ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج المعادن النادرة من هذا المشروع في عام 2027، على أن تُستخدم المواد المُنتَجة في صناعة المغناطيسات الدائمة.
وأشارت “رينبو” إلى أنها تُجري مباحثات مع عدد من شركات صناعة السيارات وشركات التجارة العالمية لتأمين عقود توريد طويلة الأجل، في وقت تتصاعد فيه وتيرة البحث عن بدائل صديقة للبيئة ومستقلة جيوسياسيًا عن الصين.
أزمة ممتدة تطال أمريكا أيضًا

لم تقتصر تداعيات الأزمة على السوق الأوروبية فقط؛ فقد أعلنت شركة فورد الأمريكية في مايو الماضي إيقاف الإنتاج مؤقتًا في مصنعها بشيكاغو نتيجة نقص حاد في المغناطيسات. وتساءلت عدة شركات ما إذا كانت “ماغنوسفير”، التي تعتمد على مواد خام من الصين، قادرة على الاستمرار في الإنتاج دون الاعتماد على الإمدادات الصينية.
تحولات جيوسياسية وتوجهات استثمارية جديدة
يرى محللو بنك بيرنبرغ أن النزاع الجيوسياسي حول المعادن النادرة سيُعجّل بإنشاء سلاسل توريد بديلة، ما قد يُعزز من مكانة شركات ناشئة مثل “رينبو” التي تمتلك دعماً من شركات استثمارية حكومية مثل “تيك ميت” الأميركية.
ويحذر الخبراء من أن أزمة سلاسل الإمداد قد تشكّل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الصناعة على التكيّف، في وقت تتسابق فيه الشركات العالمية نحو التحول الكهربائي، حيث تُعد المغناطيسات الدائمة مكونًا أساسيًا في محركات السيارات الكهربائية وأنظمة التوجيه.
هيونداي استثناء نادر في الاستعداد
من جانبها، تبدو هيونداي الكورية الجنوبية في وضع أفضل، حيث أكدت مصادر أن الشركة وشقيقتها كيا تمتلكان مخزونًا كافيًا من المعادن النادرة يكفي حتى نهاية العام على الأقل. وقالت هيونداي في بيان رسمي:
“ضمن سياساتنا التشغيلية المعتادة، نحافظ على مستويات كافية من المخزون لضمان استمرارية الإنتاج، دون الكشف عن تفاصيل الاستراتيجيات الخاصة بالشراء أو التوريد.”
خاتمة: أزمة المعادن النادرة… اختبار حقيقي لعصر ما بعد النفط
تُعد هذه الأزمة إنذارًا مبكرًا لصناعة السيارات الكهربائية، التي تعتمد بشكل كبير على مواد أولية تسيطر عليها قوى جيوسياسية محددة. ومن المحتمل أن تُسرّع الأزمة الحالية بروز تحالفات صناعية جديدة، واستثمارات ضخمة في مشاريع تعدين خارج آسيا، في محاولة لبناء نظام صناعي أكثر مرونة واستقلالية.