اشتباكات دروز وعشائر بدوية تفتك بالسويداء: تحولات ميدانية تُرسم مشهداً دمويًا جديدًا
ندلعت في محافظة السويداء السورية مواجهات مسلحة عنيفة بين مقاتلين دروز وعشائر بدوية، وسط انسحاب قوات حكومية، وتدخلات إسرائيلية، وتصاعد أبعاد الصراع الداخلي والطائفي. التقرير التالي يُسلط الضوء على أصل الاشتباكات، تأثيرها الاجتماعي والسياسي، والأبعاد الإنسانية والأمنية المقلقة.
نشوب الأزمة: من حادث سلب إلى نزاع مسلح
بدأت شرارة الصراع الدامي في السويداء، بعد حادثة سلب تعرض لها أحد السائقين الدروز أثناء عودته من دمشق، حيث تمت مصادرة سيارته ومبلغ مالي معتبر. ردًّا على ذلك، قام مقاتلون دروز باختطاف شبان من عشائر البدو في حي «المقوس»، فاندلعت تصعيدات متبادلة من الاحتجاز والخطف مما أسفر عن اشتباكات مسلحة واسعة النطاق.
تطورات المواجهات: أرقام مرعبة وسقوط واسع
أسفرت الاشتباكات العنيفة، التي اندلعت في 13 – 14 يوليو 2025، بين فصائل درزية وعشائر بدوية، عن وقوع العشرات من القتلى والجرحى، وسط تصاعد ازدحام القنابل والأسلحة. بحسب المرصد السوري، بلغ عدد القتلى نحو 37 شخصًا، بينهم طفلان درزيان، إضافة إلى 10 قتلى من عشائر البدو. فيما قدرت مصادر أخرى الأعداد بقرابة 50 إلى 60 ضحية، إضافة إلى إصابة أكثر من 90 شخصًا.
مكان الاشتباكات واتساع رقعتها
اشتعلت المناطق شرق السويداء تحديدًا حي «المقوس»، ولاحقًا امتدت المواجهات إلى ريف السويداء الغربي والشمالي، خاصة في قرى الطيرة ولبين وجرين. وقد تخلّلت الاشتباكات هجمات بقذائف الهاون ومواجهات برية، بحسب تقارير محلية.
الدولة تتدخل بخطوة ميدانية متأخرة
رغم تأكيدات وزارة الداخلية والدفاع السوريين بعدم وجود انتشار أمني كبير، وتأكيدهم جاهزية المؤسسات، إلا أن العنف انتشر بسرعة مع غياب الحكم المحلي المركزي. وفي 14 يوليو، بدأت وحدات الجيش والقوى الأمنية بالانتشار الفعلي في المناطق المتأثرة، تمهيدًا لفرض السيطرة وفرض الأمن، بعد مقتل 6 من عناصر الجيش أثناء محاولاتهم فض النزاع.
استهداف إسرائيلي فوق الاشتباكات الداخلية

مع تفاقم الأزمة واندلاع مواجهات طائفية، تدخلت إسرائيل عسكريًا عبر تنفيذ غارات جوية على مواقع حكومية سورية قرب السويداء ودمشق، معللة ذلك بأن هدفها حماية الأقلية الدرزية، باعتبار أن عدداً كبيراً من الدروز السوريين يحملون الجنسية الإسرائيلية. وقد أثارت هذه التدخلات ردود فعل دولية ومحلية متباينة.
كما أكّد مسؤول إسرائيلي لاحقًا أن تل أبيب ستسمح «بدخول محدود» لقوات سورية إلى السويداء خلال الساعتين الأوليين من الإعلان، بغرض احتواء التوتر الداخلي.
إقرأ ايضا : إسرائيل تعترف لأول مرة بأن ضربات إيران أصابت مواقع عسكرية حساسة
أبعاد إنسانية ومدنية شديدة التأزم
قُتل العديد من المدنيين بينهم أطفال، ونزحت مئات العائلات نحو محافظة درعا المجاورة بسبب القتال القريب، إذ حاول بعض السكان النجاة عبر الفرار من منازلهم، وسط أنباء عن قتلٍ ميداني واستخدام العنف الجماعي.
كما وثّق ناشطون مظاهر تهجير و«تحرير» النساء والأطفال من أحياء مختلطة يدور فيها القتال، وسط إعلان عن تحرير أكثر من 400 شخص من قبل عشائر بدوية بعد اشتباكات مع مقاتلين دروز.
المشهد المؤسساتي: فراغ أمني يعمق الأزمة
فشلت مؤسسات الدولة في احتواء التوتر منذ البداية، وسُجل غياب تام عن تفعيل الأجهزة الأمنية والعسكرية، ما ساعد على تفاقم الفوضى. وزارة الداخلية والدفاع أرجعتا أسباب التصعيد إلى هذا “الفراغ المؤسساتي”، داعيتين إلى الإسراع بإعادة نشر القوات وضبط السلاح والإفلات من العقاب.
دعوات للحوار وضبط النفس
- محافظ السويداء مصطفى البكور نادى بوقف العنف والحوار، مؤكداً أن الدولة ستعمل على حماية المواطنين بكل حزم.
- الشيخ حمود الحناوي، من قيادات الدروز، دعا إلى «السلم بالعقل لا بالسلاح»، مؤكدًا أن الكرامة لا تُسترد بالعنف.
ودعت قبائل عربية إلى النفير العام لدعم عشائر البدو، معتبرة أن ما يجري “رد طبيعي على الانتهاكات بحق أبناء القبائل والتهجير القسري”.
مقارنة بسابقات وتاريخ احتدام المجموعات في الجنوب
ليست هذه أول مواجهة وقع فيها الجنوب السوري في العام 2025. ففي أبريل ومايو شهد ريف السويداء ومدن درزية اشتباكات بين قوات الأمن السورية ومسلحين دروز، قُتل فيها عشرات. كما تعرض الدروز لهجمات عنيفة من جماعات متطرفة مثل تنظيم داعش في عام 2018 راح ضحيتها أكثر من 250 شخصًا، ما يسلّط الضوء على هشاشة الأوضاع وأمن المناطق التي لا تزال تعيش نزاعات متجددة.
تداعيات واسعة وضرورة إعادة الثقة
يشهد الجنوب السوري، وخصوصًا محافظة السويداء، مرحلة حساسة للغاية، حيث تتقاطع النزاعات القبلية والطائفية مع انهيار الدولة المركزية، في ظل تدخلات إقليمية تزيد من تعقيد المشهد، كما هو الحال مع إسرائيل. وتتطلب هذه الأزمة جهودًا عاجلة لإعادة بناء الثقة بين المكونات المحلية، وتفعيل دور مؤسسات الأمن والقانون، وتأسيس حوار شامل يعيد بناء النسيج الأهلي.
ويبقى الانتباه الدولي والإقليمي مطلوبًا لإنقاذ المدنيين من دوامة العنف، وضمان وصول المساعدات الإنسانية وتطبيق الاتفاقات الأمنية بعقلانية ومسؤولية.