السودان يعتزم تقييد المكالمات عبر واتساب: قرار مثير للجدل باسم “الأمن القومي”
أعلنت السلطات السودانية، يوم الأحد، عن نيتها تقييد خدمة الاتصال الصوتي والمرئي عبر تطبيق “واتساب“، ابتداءً من يوم الجمعة 25 يوليو 2025، في خطوة قالت إنها تأتي في إطار “إجراءات احترازية تهدف إلى حماية الأمن القومي”، وسط ردود فعل متباينة من المواطنين والناشطين.
القرار وتفاصيله
أوضح جهاز تنظيم الاتصالات والبريد السوداني، في بيان رسمي نقله الإعلام المحلي ووكالة الأنباء السودانية (سونا)، أن هذا التقييد سيطال فقط خدمات الاتصال الصوتي والمرئي عبر التطبيق، في حين ستبقى باقي الخدمات – مثل الرسائل النصية والمراسلات الجماعية – متاحة للمستخدمين دون أي تغيير.
وقال البيان: “سيتم تقييد خدمة الاتصال الصوتي والمرئي عبر واتساب في السودان كإجراءات احترازية للمهددات الأمنية، حفاظاً على الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد”، مضيفًا أن القرار سيظل ساري المفعول “حتى إشعار آخر”.
موقف الجهاز من ردود الفعل الشعبية
وفي محاولة لامتصاص أي غضب شعبي محتمل، أعرب الجهاز عن “اعتذاره عن أي ضيق قد يتسبب فيه هذا التقييد للمشتركين”، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات “تمت في إطار تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية”. ودعا البيان المواطنين إلى تفهم دوافع القرار في ظل الوضع الأمني المضطرب الذي تمر به البلاد.

خلفية القرار: السياق الأمني المضطرب
يأتي هذا القرار في وقت حساس تشهده البلاد، حيث تستمر الاشتباكات الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023. وقد أدت هذه الحرب، بحسب تقارير الأمم المتحدة والسلطات المحلية، إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، بينما اضطر أكثر من 15 مليون شخص إلى النزوح أو اللجوء، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في المنطقة.
وفي الوقت ذاته، أشارت دراسة مشتركة أجرتها عدة جامعات أميركية بارزة إلى أن عدد القتلى ربما يتجاوز الـ130 ألفاً، ما يعكس فداحة الوضع الإنساني والأمني الذي تمر به البلاد.
اقرأ أيضاً: حرب العقول تشتعل.. “ميتا” تُجرد آبل من نخبتها الاستراتيجية في الذكاء الاصطناعي
تغير ميداني: الجيش يحقق تقدماً
شهدت المعارك خلال الأسابيع الماضية تطورات لافتة، إذ تمكّن الجيش السوداني من استعادة مناطق كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع، خاصة في العاصمة الخرطوم وولاية النيل الأبيض. وباتت مساحات السيطرة تتغير تدريجيًا لصالح الجيش، في مؤشر على تحوّل عسكري محتمل في مسار الصراع.
لماذا واتساب؟
يعد تطبيق واتساب، المملوك لشركة “ميتا” (فيسبوك سابقًا)، وسيلة اتصال حيوية للملايين في السودان، خصوصًا في ظل تدهور البنية التحتية لوسائل الاتصال التقليدية. ويستخدم المواطنون الخدمة بشكل واسع في التنسيق اليومي، والحصول على المعلومات، والتواصل مع أسرهم في الداخل والخارج.
ويخشى مراقبون أن يؤدي تقييد خدمة المكالمات إلى تعقيد ظروف الحياة اليومية للمواطنين، خاصة في المناطق المتأثرة بالحرب، حيث تعتمد بعض العائلات بشكل كامل على هذه التطبيقات للبقاء على اتصال بأحبائها، في ظل ضعف الاتصالات الأرضية والانقطاع المتكرر للكهرباء والإنترنت.
انتقادات محتملة
من المرجح أن يواجه القرار انتقادات من منظمات حقوقية محلية ودولية، إذ سبق أن تم توجيه اللوم للسلطات السودانية في مناسبات عديدة بسبب قيودها على حرية الإنترنت والتواصل، خاصة خلال فترات التوتر السياسي أو التظاهرات.
وفي هذا السياق، يقول ناشط حقوقي سوداني فضّل عدم ذكر اسمه: “أي تقييد على خدمات الإنترنت أو وسائل الاتصال في وقت حرب هو تضييق على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، ويجب أن يكون قراراً مؤقتاً وخاضعاً للمراجعة والشفافية”.
وسائل بديلة للمواطنين
مع الإعلان عن القرار، بدأ بعض المستخدمين بالفعل في البحث عن بدائل لتطبيق واتساب، مثل “تليجرام” أو خدمات الاتصال عبر “فايبر” أو “سيجنال“، أو حتى استخدام تطبيقات VPN للتحايل على الحظر المتوقع.
ومع أن السلطات لم تُشر إلى نية فرض رقابة شاملة على بقية التطبيقات، إلا أن البعض يتخوّف من أن يشكل هذا القرار مقدمة لمزيد من التقييدات، في ظل استمرار الحرب وتدهور الوضع الداخلي.
خاتمة وتحليل
يُعد تقييد خدمة الاتصال عبر واتساب في السودان خطوة مثيرة للجدل، تجمع بين ضرورات أمنية تفرضها الحرب المستمرة، وبين انتقادات حقوقية ترى في القرار تهديدًا لحرية التعبير والتواصل في مجتمع يعاني من انقطاع الخدمات وتدهور البنية التحتية.
ووسط هذا الجدل، يبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي تقييد هذه الخدمة فعلاً إلى تعزيز الأمن القومي كما تأمل الحكومة، أم سيفتح الباب أمام مزيد من الغضب الشعبي وابتكار وسائل جديدة للالتفاف على الرقابة؟
بينما لا تزال الإجابة معلّقة، فإن الأيام القادمة قد تحمل مؤشرات أوضح على مدى فاعلية وجدوى هذه الخطوة في ظل حرب طاحنة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.