باراك يحذر قوات سوريا الديمقراطية من تأخر الاندماج في الجيش السوري
في تصريح حمل رسائل تحذيرية وإشارات سياسية معقدة، شدد المبعوث الأميركي الخاص لسوريا وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا، توماس باراك، على أن اتفاق الاندماج العسكري بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يواجه تحديات هيكلية قد تؤدي إلى تعثره إن لم يتم العمل سريعًا على تجاوزها.
غياب التفاصيل يهدد نجاح الاندماج العسكري
وخلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة نيويورك مساء الجمعة، أوضح باراك في حديث لوكالة الأناضول التركية أن الاتفاق المبدئي الذي جرى بين حكومة دمشق وقسد “ليس محددًا بما يكفي ليضمن نجاح عملية الدمج العسكري”، مبينًا أن هناك فجوة واضحة بين النوايا المعلنة والآليات العملية للتنفيذ.
وأشار إلى أن “عملية الاندماج ستتطلب وقتًا طويلًا بسبب غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين”، وهي إشكالية تراكمت نتيجة سنوات من الصراع المسلح والاتهامات المتبادلة بين قسد والسلطات السورية.
تحذير من التباطؤ والتداعيات الإقليمية
وأضاف باراك أن تأخر دمج قوات قسد ضمن بنية الجيش السوري قد لا يكون شأنًا محليًا بحتًا، بل سيفتح الباب أمام مشكلات خطيرة مع الحكومتين السورية والتركية على حد سواء. وتابع قائلاً:
“إن لم تندمج قسد سريعًا في الجيش السوري وتحدد موقعها الواضح ضمن المنظومة الدفاعية للدولة، ستواجه صعوبات قانونية وسياسية وربما أمنية من الجانبين”.
ويأتي هذا التحذير في ظل تصاعد التوترات الحدودية بين أنقرة والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات قسد، إذ تعتبر تركيا تلك القوات امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها كتنظيم إرهابي.
قضية الحكم الفيدرالي وحقوق الأقليات
وعن مستقبل شكل الحكم في سوريا، شدد باراك على أن “دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد” هي القاعدة التي تحددها الشعوب داخل بلدانها، وليس الأطراف الخارجية. وأضاف:
“قد ترغب الأقليات في بيئة سياسية فيدرالية تحمي خصوصيتها وهويتها، لكن ذلك شأن سوري داخلي لا يحق لنا أن نحكم عليه أو نفرضه من الخارج”.
وأكد أن “من الضروري حماية حقوق الأقليات في سوريا“، لكنه رفض فكرة التدخل الخارجي لفرض نموذج حكم محدد، معتبرًا أن “أي حل سياسي أو عسكري يفرض قسرًا سيفشل عاجلًا أو آجلًا”.
الوجود العسكري الأميركي.. استمرار مع التحفظ

وفيما يخص الوجود العسكري الأميركي في شمال وشرق سوريا، صرح باراك بأن واشنطن ترى أن المعركة ضد تنظيم “داعش” لم تنتهِ بعد، وبالتالي فإن الحفاظ على القوات الأميركية في المنطقة ضرورة مؤقتة لضمان استقرار الوضع الأمني.
وقال بوضوح:
“لدينا وجود عسكري في تلك المنطقة وسنحافظ عليه، لكن هدفنا ليس الإبقاء على قواتنا إلى أجل غير مسمى”.
وتابع موضحًا أن الإدارة الأميركية تدرس بمرور الوقت إمكانية تقليص عدد القوات المنتشرة، خاصة إذا ما تشكلت حكومة سورية مستقلة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار.
دمج قسد: خطوة ضرورية للأمن القومي السوري
وأشار السفير الأميركي السابق إلى أن “الدمج العسكري لقوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري ليس خيارًا ترفيهيًا، بل خطوة منطقية تفرضها ضرورات الأمن القومي لسوريا”.
وأكد أن الولايات المتحدة تواصل محادثاتها مع الأطراف المعنية لتوضيح البنود الإجرائية للاتفاق وضمان عدم انهياره في اللحظة الأخيرة، قائلاً:
“نعمل جاهدين لتوضيح التفاصيل الدقيقة حتى لا تتحول عملية الدمج إلى مجرد إعلان سياسي بلا مضمون عملي.”
عقبات أمام تنفيذ الاتفاق
لكن رغم هذه التصريحات المتفائلة جزئيًا، ثمة معوقات جوهرية تهدد هذا المسار، من بينها:
- تضارب المصالح بين القوى الكردية والحكومة السورية حول مستقبل الحكم الذاتي.
- الضغوط التركية المستمرة لرفض أي صيغة تعطي قسد شرعية رسمية.
- انعدام الثقة التاريخي بين الجانبين بعد سنوات من الحرب والاشتباكات.
- النفوذ الروسي والإيراني في دمشق، الذي قد يعقد الموقف ويجعل التوصل لصيغة مقبولة دوليًا مهمة شائكة.
الموقف التركي من الاندماج المحتمل
تراقب تركيا هذا المسار بحذر بالغ، إذ ترى في تقنين وضع قوات قسد خطوةً لتكريس نفوذ كردي على حدودها الجنوبية، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وتشير التقديرات إلى أن أنقرة ستواصل الضغط السياسي وربما الميداني لمنع نشوء أي كيان عسكري أو سياسي ذي طابع مستقل داخل سوريا.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل قسد
يرى مراقبون أن قوات سوريا الديمقراطية أمام خيارات محدودة:
- الاندماج الكامل ضمن الجيش السوري مع تنازلات عن جزء من الحكم الذاتي.
- المماطلة في إتمام الدمج على أمل تحولات سياسية إقليمية.
- تثبيت السيطرة في مناطق نفوذها بغطاء عسكري أميركي محدود.
- التعرض لضغط عسكري تركي مباشر إذا اعتبرت أنقرة أن الوضع يخرج عن السيطرة.
وتبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل هشاشة التوازنات القائمة.
أهمية الحل السياسي الشامل
ويرى خبراء أن دمج قسد ضمن القوات النظامية السورية لن ينجح إلا إذا جرى في سياق تسوية سياسية شاملة تضمن حقوق جميع المكونات وتعيد هيكلة مؤسسات الدولة السورية على أسس توازن حقيقي.
وبهذا الصدد، قال باراك:
“إن الوصول إلى اتفاق عسكري هو نصف الطريق فقط، أما النصف الآخر فهو بناء الثقة من خلال توافق سياسي وإداري يطمئن الأطراف كافة.”
هل يمكن للولايات المتحدة ضمان نجاح الاتفاق؟
على الرغم من تعهد الإدارة الأميركية بدعم جهود التهدئة، يبقى السؤال ما إذا كانت واشنطن تملك القدرة الفعلية على ضمان تنفيذ اتفاق معقد في بيئة مضطربة. وبينما تحرص الولايات المتحدة على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا، تسعى في الوقت ذاته لعدم التخلي عن حلفائها الأكراد.
واختتم باراك حديثه بنبرة متفائلة قائلاً:
“أعتقد أن الطرفين في نهاية المطاف سيتوصلان إلى اتفاق ناجح يحقق الاستقرار ويحترم حقوق الجميع.”
في ظل هذه التعقيدات الإقليمية والمحلية، يبدو أن مستقبل الاندماج العسكري بين قسد والحكومة السورية مرهون بمدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات متبادلة. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى لإبقاء خطوط التوازن مفتوحة حتى لا تنفجر الأوضاع في منطقة لا تزال حتى اليوم تشكل بؤرة توتر مزمنة.