“عملية الزفاف الأحمر”.. تفاصيل الضربة الإسرائيلية واسعة النطاق على طهران

0 4

في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو، شرعت إسرائيل في تنفيذ واحدة من أخطر وأجرأ عملياتها العسكرية في العقود الأخيرة، حين أقلعت طائرات مقاتلة في مهمة سرية استهدفت قلب العاصمة الإيرانية طهران. العملية حملت الاسم الرمزي “الزفاف الأحمر”، تيمناً بالمجزرة الشهيرة في مسلسل “صراع العروش“، وشكّلت ذروة سنوات من التخطيط والتجسس والتهيئة اللوجستية.

غرفة العمليات وتفاصيل الهجوم الأول

تجمع كبار القادة العسكريين الإسرائيليين في غرفة عمليات تحت الأرض بمقر قيادة سلاح الجو لمتابعة تفاصيل الضربة التي طال انتظارها. وبعد ساعات من بدء الهجوم، أكدت الاستخبارات الإسرائيلية اغتيال عدد من كبار قادة الجيش الإيراني أثناء اجتماع أمني رفيع المستوى.

لكن هذه الضربة لم تكن سوى بداية العملية الكبرى. فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن تفاصيل عملية موازية، حملت الاسم الرمزي “نارنيا”، وأسفرت عن مقتل تسعة من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين داخل منازلهم في العاصمة، في هجمات وصفتها مصادر عسكرية بأنها “غير واقعية” من حيث دقة التوقيت وتشابك الخطط.

ملصق ضخم لأبرز القادة الذين قتلوا في عملية “الزفاف الأحمر”

عقدان من التحضير والتجسس

بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، تعود جذور هذه العمليات إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين بدأت تل أبيب برصد مؤشرات مبكرة على مساعي إيرانية لتطوير برنامج نووي عسكري.

ومنذ ذلك الحين، شرعت إسرائيل في بناء شبكة تجسسية معقدة داخل إيران، نفذت من خلالها عمليات تخريب، وتهريب معدات، واغتيالات استهدفت إبطاء المشروع النووي، لكن دون القضاء عليه بشكل نهائي.

وقال اللواء عوديد باسيوق، مدير شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي وأحد العقول المدبرة للهجوم:

“أدركنا أننا بحاجة إلى أكثر من الاغتيالات والتخريب… كنا نخطط منذ سنوات لضربة منسقة تُسقط البنية التحتية النووية الإيرانية والعقل الذي يديرها.”

تحديات لوجستية وجغرافية

اعتمدت إسرائيل في خطتها على عنصر المفاجأة. لكن وفقًا لتقارير الصحافة الغربية، كادت العملية أن تنهار نتيجة عقبات عدة، أبرزها المسافة التي تتجاوز 1000 كيلومتر بين الأراضي الإسرائيلية والمواقع المستهدفة داخل إيران.

تطلب ذلك تدريبات مكثفة على التزود بالوقود جواً والطيران بتشكيلات معقدة. وفي عام 2008، نفذت إسرائيل مناورة “الإسبرطي المجيد”، شاركت فيها أكثر من 100 طائرة مقاتلة حلّقت إلى اليونان لمحاكاة الهجوم المحتمل.

ومع تصاعد نفوذ إيران الإقليمي وتحديث دفاعاتها الجوية الروسية الصنع، ولا سيما منظومات S-300، خضعت الخطة الإسرائيلية لمراجعات مستمرة حتى أواخر 2024.

الطريق إلى “نارنيا” والضربات الموازية

بحلول عام 2023، نفذت إسرائيل ضربات متكررة ضد الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وساهمت في إضعاف مواقع للنظام السوري، مما سهّل مرور طائراتها عبر أجواء كانت تعد معادية في السابق.

بالتوازي، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من تهريب مئات الطائرات المسيّرة المفخخة وتجميعها سراً قرب مواقع حساسة في طهران، مثل بطاريات الدفاع الجوي ومراكز القيادة.

وفي نوفمبر 2024، اجتمع أكثر من 120 مسؤولاً عسكرياً وأمنياً لوضع اللمسات الأخيرة على قائمة الأهداف التي ضمت نحو 250 هدفاً، من بينها علماء ومنشآت نووية ومخازن صواريخ.

خدعة “زفاف ابن نتنياهو”

بنيامين نتنياهو

حرصت تل أبيب على إتقان التضليل الإعلامي لتأمين عنصر المفاجأة. قبل أيام من الهجوم، أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن عطلة عائلية استعداداً لحفل زفاف نجله أفنير، بينما سرّب مسؤولون معلومات مفادها أن إسرائيل لن تتحرك من دون تنسيق كامل مع واشنطن.

في تلك اللحظات، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينشر رسالة على منصة “تروث سوشال” يكرر فيها التزام بلاده بالحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني، وهو تصريح هدفه طمأنة طهران بينما الطائرات الحربية كانت في طريقها لتنفيذ الهجوم.

لحظة المصيدة

مع اقتراب المقاتلات من العاصمة الإيرانية، شعر الإسرائيليون بأن الخطة انكشفت بعد رصد تحركات مفاجئة لقادة سلاح الجو الإيراني. غير أن هؤلاء القادة اجتمعوا لاحقاً في موقع واحد، ليتحول الاجتماع إلى “مصيدة مميتة”، استهدفتها الصواريخ الإسرائيلية خلال دقائق، فقضت على القيادة العسكرية العليا.

في الوقت نفسه، تعرّضت منازل العلماء النوويين لسلسلة تفجيرات متزامنة، نفذتها طائرات مسيّرة وفرق خاصة، لتُجهز على أبرز العقول المشرفة على البرنامج النووي.

12 يوماً من الغارات والدعم الأميركي

امتدت الحملة الجوية 12 يوماً متتالية، قصفت خلالها إسرائيل منشآت نووية، ومنصات صواريخ، ومواقع تصنيع عسكري. وفي مراحل لاحقة، دعمت الولايات المتحدة الضربة بسلسلة غارات مكثفة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.

وفي ختام العملية، أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار، معتبرة أنها “حققت أهدافها الاستراتيجية”.

تداعيات مستقبلية

رغم حجم الخسائر، يرى محللون أن إيران قد تتمكن من إعادة بناء برنامجها النووي بوتيرة أسرع، مدفوعة بالرغبة في الردع. وفي المقابل، تعتبر القيادة الإسرائيلية أن العملية “غيّرت قواعد اللعبة” في الشرق الأوسط، وفتحت الباب أمام تحولات إقليمية قد تدفع بعض دول المنطقة لإعادة حساباتها الأمنية والدبلوماسية تجاه طهران وتجاه إسرائيل على حد سواء.

Comments
Loading...