الصين تكتشف رواسب نادرة لمعدن حيوي في منغوليا الداخلية.. تطور استراتيجي يهز معادلة سوق السيارات الكهربائية

بكين – وكالات: في تطور جيولوجي يحمل أبعادًا اقتصادية وجيوسياسية هائلة، أعلن فريق من الجيولوجيين الصينيين اكتشاف رواسب كبيرة من معدن أرضي نادر جديد في منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم بشمال البلاد، وهو اكتشاف قد يغيّر موازين القوى في سوق المعادن الحيوية لصناعة التكنولوجيا والسيارات الكهربائية، وعلى رأسها شركة “تسلا“.

منجم “بايان أوبو”.. بؤرة كنز المعادن النادرة

وأكدت جامعة الصين لعلوم الأرض في مدينة ووهان، بالتعاون مع معهد المسح الجيولوجي في منغوليا الداخلية، أن الاكتشاف تم في المنطقة الوسطى من الجسم الخام الرئيسي ضمن منجم “بايان أوبو”، والذي يُعد بالفعل أكبر منجم في العالم للمعادن الأرضية النادرة.

ويُعد هذا الاكتشاف العلمي المذهل خطوة مهمة في فهم الجيوكيمياء المعقدة للرواسب المعدنية في باطن الأرض، إذ يسلط الضوء على التنوع الكبير في مصادر المعادن الأرضية النادرة، والتي تلعب دورًا حيويًا في الصناعات التقنية المتقدمة، بحسب ما أكده قائد الفريق البحثي البروفسور تشاو لاي شي.

المعدن الجديد: “هوانغهويتي-(Nd)”.. معدن المستقبل

أطلقت الجمعية الدولية للمعادن رسميًا اسم هوانغهويتي-(Nd) على المعدن الجديد، الذي يُصنف ضمن معادن الكربونات النادرة. ويُعد النيوديميوم هو العنصر المهيمن فيه، وهو من المعادن الحيوية المستخدمة في تصنيع المغناطيسات الدائمة عالية القوة، التي تدخل بدورها في صناعة محركات السيارات الكهربائية، مثل سيارات “تسلا”، وتوربينات الرياح البحرية، والأجهزة الإلكترونية المتقدمة.

ويمثّل النيوديميوم أحد أكثر العناصر طلبًا عالميًا في الوقت الراهن، إذ تعتمد عليه شركات تصنيع البطاريات والمحركات في إنتاج مكونات خفيفة الوزن وفعالة للطاقة. وبالتالي، فإن السيطرة الصينية على رواسب جديدة من هذا العنصر تشكل ميزة استراتيجية في صراع الموارد العالمي.

الصين تعزز هيمنتها على سوق المعادن النادرة

لطالما كانت الصين اللاعب المهيمن عالميًا في إنتاج المعادن الأرضية النادرة، حيث تتحكم في أكثر من 60% من الإنتاج العالمي، وتُعد المصدر الرئيسي لمعظم الدول الصناعية التي تعتمد عليها في صناعات حساسة. ويأتي هذا الاكتشاف الأخير ليعزز موقعها العالمي بشكل أكبر، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية بشأن أمن سلاسل التوريد.

تهديدات أمنية وتجسسية.. المعادن في قلب الحرب الباردة الجديدة

بالتزامن مع الإعلان عن هذا الاكتشاف، أفادت وزارة أمن الدولة الصينية يوم الجمعة أن أجهزة استخبارات أجنبية حاولت سرقة معادن نادرة من داخل الأراضي الصينية، مما يشير إلى أن السباق على السيطرة على الموارد الطبيعية بات يأخذ طابعًا استخباراتيًا صريحًا.

وقالت الوزارة في بيان نشرته على حسابها على تطبيق “وي تشات“، إن عناصر أجنبية بالتعاون مع أطراف داخلية “مخالفة للقانون” سعت إلى سرقة مواد نادرة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الصيني. وأكدت أن السلطات ستتخذ إجراءات صارمة لمنع مثل هذه الأنشطة التي تستهدف ما وصفته بـ”القطاع الاستراتيجي والحيوي للاقتصاد الوطني”.

تداعيات محتملة على الصناعة العالمية وشركات مثل “تسلا”

يمثل هذا الاكتشاف ضربة غير مباشرة لصناعة السيارات الكهربائية الغربية، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تسعى شركات مثل “تسلا” و”فورد” و”بي إم دبليو” إلى تنويع مصادرها من المعادن الأرضية النادرة بعيدًا عن الهيمنة الصينية.

ورغم المحاولات الغربية لتطوير بدائل صناعية أو إعادة تدوير المعادن، فإن الصين تستمر في توسيع الفجوة التكنولوجية من خلال الاكتشافات والاستثمارات الجديدة. ويشير هذا الحدث إلى أن الصين لن تتخلى بسهولة عن هيمنتها على هذه السوق الحساسة، التي تُعد عنق الزجاجة في أي خطة انتقال طاقي أو تحول صناعي.

هل يدفع العالم الثمن؟

في ضوء هذه التطورات، يبدو أن العالم يواجه تحديًا كبيرًا في فك الارتباط الصناعي عن الصين دون التسبب في أزمة توريد خانقة. وإذا استمرت بكين في توظيف معادنها كسلاح اقتصادي أو أداة ضغط جيوسياسي، فإن الصناعات الغربية ستُجبر على التكيف مع واقع جديد، عنوانه: المعادن النادرة في قلب الصراع بين الشرق والغرب.

خاتمة: المستقبل يبدأ من باطن الأرض

ليس مجرد اكتشاف جيولوجي عادي، بل لحظة مفصلية تكشف كيف أصبحت المعادن الأرضية النادرة هي “النفط الجديد” في العصر الرقمي، وكيف أن من يملك هذه الموارد، يمتلك مفاتيح الاقتصاد العالمي القادم. وبينما تراقب “تسلا” وشبيهاتها هذا الخبر بقلق، يبدو أن بكين قد رسّخت قدمًا أخرى في سباق الهيمنة التكنولوجية العالمية.

الجيوسياسيةالسيارات الكهربائيةالصينتسلامنغولياهوانغهويتيوي تشات
Comments (0)
Add Comment